الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ وَلَمَّا دَخَلُوا } مصر { مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ } أَى من أَبواب متفرقة ثلاث أَو رباع، أَو مثنى أَو أحاد، وهو المتبادر، وحيث بمعنى المكان وهو هنا أَربعة أَبواب مصر، وجواب لما هو قوله { مَا كَانَ يُغْنِى عنْهُم مِّنَ اللهِ مِنْ شَىْءٍ } وقيل محذوف، أَى امتثلوا أَو قضوا حاجة أَبيهم، وفيه أَنه لا فائدة فى هذا الجواب وهى حرف إِذ لو كانت ظرفا لم يوجد لها متعلق؛ لأَن ما النافية لها الصدر فلا يتعلق فيما بعدها، فيجاب بأَنا لا نسلم أَن لها الصدر، وإن كان لها صدر فالظرف الشرطى يخرقه كما قيل فى إِذا، أَو محذوف أى قصدوا الملك أو حاجة أَبيهم، وقيل: جوابها أَى وهو أَيضاً جواب للما الثانية لأَن دخولهم على يوسف عقب دخولهم مصر، كما تقول: لما جئتنى ولما كلمتنى أجبتك، وما بينهما معترض، أَو الجملة حال من واو دخلوا، وضمير كان عائد إِلى يعقوب أَو إِلى رأْيه أَو إِلى دخولهم من حيث أَمرهم أَبوهم وهو اتباعهم رأْيه، والماصدق واحد، والمعنى ما أَغنى عنهم فى رفع العين بل رفعها الله، ولا يقال أَنه لم يغن عنهم ذلك إِمساك أَخيهم بنيامين، لأَنه أَمسكه يوسف لأَنا نقول: الكلام فى الإِغناءِ بدفع العين خاصة بدليل الأَمر بالدخول من أَبواب إِذ لا يخفى أَن الدخول من أَبواب لا يكون سببا لدفع إِمساك بنيامين، وأَيضا لا شعور ليعقوب بإِِمساكه حين أَمرهم بأَبواب، وأَيضاً شىءٌ نكرة فى سياق السلب تعم، وقد وقاهم الله من إِصابة العين وهى شىءٌ، وقد يقال: إِن إِمساكه من جملة إِصابة العين لأَن إِصابتها لا تختص بموت أَو ضر فى البدن، وذكر بعض؛ أَن المراد السوءُ مطلقا وخصت العين لظهورها، وحاصل الآية أنه لا يغنى عنهم من قضاء الله شىءٌ بل الله هو الدافع لما دفع من العين، وما أَغنى شىءٌ مما قضى الله من نسبتهم إِلى السرقة، ومن إِمساك بنيامين، ويجوز أَن لا ضمير فى كان لما مر بل للشأْن، والضمير فى يغنى لما مر وأَن يكون شىءٌ فاعل يغنى { إِلاَّ حَاجَةً فِى نَفسِ يعْقُوبَ قَضَاها } يعقوب وهى دفع العين أَشفق أَن تصيبهم، ومعنى قضاها أَرادها، أَو أَظهرها وأَعلم بها أَولاده كقوله تعالى:وقضينا إِلى بنى إِسرائيل فى الكتاب } [الإسراء: 4] والاستثناءُ منقطع، ويجوز أَن يكون متصلا من باب قوله:
ولا عيب فيهم غير أَن سيوفهم   بهن فلول من قراع الكتائب
فالمعنى ما أَغنى عنهم ما وصاهم به أَبوهم إِلا شفقة، ومن المعلوم أَن شفقة الأَب مع قدرة الله هباءٌ، فما أَغنى عنهم شيئاً قط، وقيل: فاعل قضى ضمير الدخول { وإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا علَّمْنَاهُ } بالوحى ونصب الحجج، ولذلك لم يغتر بتدبيره، بل فوض الأَمر إِلى الله عز وجل، وما مصدرية أَى لتعليمناه أَو اسم أَى الذى علمناه إِياه، وأَن العلم الحفظ والمراقبة { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ } وهم المشركون { لاَ يَعْلَمُونَ } سر القدر أَنه لا يغنى عنه الحذر، فيقصر نظرهم على الأَسباب، أَو لا يعلمون إِلهام الله - عز وجل - لأَوليائِه، أَو لا يعلمون وجوب الحذر، ورد بأَنه يأْباه تخلف المطلوب من المبادىءِ، أَو لا يعلمون أَن يعقوب بهذه المثابة.