الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }

{ وَقَالَ } لهم { يَا بَنِىَّ لاَ تَدْخُلُوا } مصر { مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةِ } لئلا تصابوا بالعين، فقد جمع عليه السلام بين التوكل مقدما له والحذر المأْمور به شرعا، كما قال صلى الله عليه وسلم: " اعقلها وتوكل " وكما ظاهر بذرعين وقد توكل وقال الله تعالى:خذوا حذركم } [النساء: 71]ولا تلقوا بأَيديكم إِلى التهلكة } [البقرة: 195] قال صلى الله عليه وسلم: " العين حق لو كان شىءٌ يسبق القدر لقلت العين " وروى " لسبقته العين، إِذا استغسلتم فاغتسلوا " أَى إِذا طلب ممن خيف منه العين فليغسل وجهه ويديه ومرفقيه وأطراف رجليه وداخل إِزاره وهو ما يلى جسده من الإِزار، وقيل وركيه، وقيل مذاكيره، ويصب ماءَ ذلك على رأْس المعين بقوله: أَعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ويقول: كان أَبوكما يعوذ بهما إِسماعيل وإِسحاق، والعين يضر يإِذن الله تعالى، ومن قال يضر استقلالا أَشرك، ولا نعتقد أَن شيئاً ينفصل من عين العائن إِلى المعين فيضره كما قيل، والرقية من العين جائِزة، ومن عرف بالعين حبس عن الناس ورزق من بيت المال إِن كان فقيراً، ويروى أن نبيا استكثر قومه فمات فى ليلة مائة أَلف فشكا إِلى الله سبحانه، فقال الله سبحانه: إنك استكثرتهم فعينتهم هلا حصنتهم إِذ استكثرتهم، قال: يا رب كيف أَحصنهم؟ قال: تقول: حصنتكم بالحى القيوم الذى لا يموت أَبدا، أَو دفعت عنكم السوءَ بألف أًلف لا حول ولا قوة إِلا بالله، قال صلى الله عليه وسلم: " اللهم إِنى أَعوذ بكلماتك التامة من كل هامة ومن كل عين لامة " والهامة بالشد واحدة الهوام الحية، وكل ذى سم، والعين اللامة الجامعة للشر على من يصاب بالعين، وكانوا طوالا سمانا ذوى جمال ومهابة مشهورين بالكرامة عند الملك، وكانوا بنو أَب واحد ولم يوصهم بذلك فى المرة الأْولى لأَنهم مجهولون أَولا، أًو لمزيد خوفه على بنيامين، قيل المراد الدخول من أَبواب متفرقة الدخول جملة واحدة فلو دخلوا واحدا واحدا لا بمرة لجاز، فالواحدة اعتبارية، والأَبواب أَربعة فيما قيل، فكأَنه لمصر أَحد عشر بابا على عددهم أَو أَكثر من أَحد عشر، والدخول من اثنين أَو ثلاثة محتمل للمحذور أَيضاً، وأَما الدخول من أًربعة فلا قيد عليه إِذ لم يكن لمصر أَكثر من أَربعة { وما اُغْنِى عَنْكُم مِّنَ اللهِ } من قضاءِ الله { مِنْ شَىْءٍ } لا أُغنى عنكم شيئاً أَى إغناءً أَو لا أَدفع عنكم شيئاً، أَو أَى إِعناء أُغنى عنكم { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلْيِهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلونَ } عليه، قدم على متعلقه وهو يتوكل، ولا صدر للام الأَمر، والفاءُ للسببية فإِن التوكل من يعقوب موجب وسبب لتوكل غيره لأَنه نبى من الله يجب اتباعه فيما لم ينسخ، ولما قدم قوله عليه عن قوله فليتوكل كان فاصلا بين الواو والفاءِ فساغت الواو لمطلق الجمع، والفاءُ للسببية، ويجوز تقدير معطوف بالواو عليه توكلت الآن، كما قيل: وأَتوكل بعد، أَو توكلت قبل تكلمى هذا وأَتوكل الآن، وإِنما ساغ تقديم ما بعد الفاءِ على الفاءِ لأَنها هنا لمجرد السببية دون العطف.