الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ }

{ وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } العشرة دون بنيامين من ثغور الشام من فلسطين أَهل بادية وإِبل وشياه إِلى مصر ليشتروا الطعام، لما سمعوا هم وأَبوهم بملك فى مصر حسن السيرة يبيع الطعام، وأَخبرهم أَبوهم عليه السلام { فَدَخلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ } بأَول نظرة بدليل فاءِ فعرفهم، كما قال ابن عباس ومجاهد: كما دلت عليه الفاءُ، ولم يؤثر فيه بعد عهدهم لبقاءِ الشكل وتشابه أَحوالهم بأَحوالهم السابقة، ولكنه كان مهتماً بهم وبالاطلاع على أَحوالهم، ولا سيما وقت القحط، وكان مترقباً لتأْويل رؤْياه، وليس كما قيل أَنهم انتسبوا له نحن بنو فلان حين أَرادوا الدخول، وترده الفاءُ الثانية فمعرفته بعد دخولهم، إِلا بتأَويل دخلوا بإِرادة الدخول، ولا دليل له حيث لا معتمد على صحة انتسابهم عند إِرادة الدخول، وقال الحسن: لم يعرفهم حتى تعرفوا إِليه، وترده الفاءُ الدالة على الاتصال، والتأْويل يحتاج لدليل صحيح { وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } لا يعرفونه لبعد العهد، وظنهم أَنه مات فى برية أَو فى عبودية، فارقوه منذ أَربعين سنة، وأيضاً رأَوه على السرير فى زى الملوك متوجاً فى عنقه طوق ذهب حتى أَنه لو قيل هذا يوسف لأَنكروه، ولذلك - والله أعلم - وهم إِياه لا يعرفون، وقيل: كلمهم من بعيد أو من وراء ستر، أَو بالواسطة مع الستر أَو البعد، أَو الله منعهم من معرفته مع المقابلة كما وعده الله - عز وجل - أَنهلتنبئَنهمْ بأَمرهم هذا وهم لا يشعرون } [يوسف: 15] فذلك معجزة، وصرحوا ليوسف أَنه مات فى برية فيما روى أنهم كلموه بالعبرية فقال زاجرا: لم جئْتم؟ قالوا: للميرة، قال: لعلكم عيون؟ قالوا: معاذ الله... قال: من أَين؟ قالوا: من كنعان، وأَبونا يعقوب نبى الله، قال: كم أَولاده؟ قالوا: اثنا عشر هلك أَصغرنا وأَحبنا إِليه فى البرية، وأَبقى شقيقه عنده ليتسلى به، فأَنزلهم وأَكرمهم وقال: من يشهد؟ قالوا: نحن فى بلدك غريبون، قال: فأْتونى بأَخيكم إِن صدقتم واتركوا أَحدكم هنا، فوقعت القرعة على شمعون، وقد أَبى من إِلقائِه فى الجب وخالفوه، وقيل: اختاره بلا قرعة لأَنه أًحسن إِليه، ويقال: قال لهم لعلكم عيون تنظرون عورة بلدى، قالوا: لا، نحن أَولا د نبى الله تعالى، قال: إِيتوا بمن يشهد لكم أَنكم لستم عيوناً، قالوا: نحن غرباءُ لا يعرفنا أَحد، قال: فدعوا عندى أَحدكم رهنا، ولم يجزم بأَنهم عيون فلا بهت لأَنه قال: لعلكم عيون، ولو يقل أَنتم عيون، فيكون أباح الله هذا القدر، ولما قالوا: أَولاد يعقوب، طلب أخاهم، ويقال: ينقر الصواع ويطن، ويخبرهم بأَن الصواع يخبره بما فعلوا مع يوسف أَخيهم، ورجع الباقون إِلى الشام بالميرة كما قال { وَلَمَّا جهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } هيأَ لهم ما يحتاجون إِليه فى رجوعهم من الكيل الذى جاءُوا لأَجله وزيادة، أَعطى لكل واحد بعيراً من الطعام، وأَما البيع فلا يبيع لأَحد إَلا حمل بعير فلعله عدَّ لكل واحد بيع حمل بعير، وقال إِنه يعطى كل إنسان جاءَ حملا، وطلبوا حملا للأَخ الباقى عند أَبيهم بارتهان أَحدهم ليرجعوا به وليثبت لهم الحمل الذى أَعطاهم من أَجله { قَالَ ائْتُونِى بِأَخٍ لَكُم مِّنْ أَبِيكُمْ } لأَرى صدقكم، ولا أَبيع لكم مرة أخرى إذا جئْتم وهو بينامين، لم يقل بأَخيكم من أَبيكم لأَن هذا يناسب أنه عارف به، وهو لا يريد أن يعرفوا أًنه عرفه، فناسب أن يقول: بأَخ لكم، وهذا ولو كان لا يلزم لكن التفسير به هنا صحيح، ولا يعطله قوله من أبيكم، فإنه يصح إِخفاءُ أَنه عارف به ولو من أبيكم كما تقول فى التنكير جىءَ بغلام لك من قريش، فتكون تريد بعض بيان مع بقاء التنكير، وذلك إِطناب كقوله

السابقالتالي
2