الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } * { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنفْسِى } من شأْن الملوك أَن يؤثروا أَنفسهم بما هو نفيس كأًرض فى الربيع زاهرة وجوهرة لا يوجد مثلها، ووزير عظيم الشأْن وعالم ماهر، فاختار يوسف مختصاً به لكماله صبراً وعلمً وإِحساناً وأَدباً وتعبيراً وورعاً، وهذا جواب لمحذوف أَى لما عبر الرؤيا قال: { ائتونى به أَستخلصه لنفسى } فيكون قال إِيتونى به مرتين، قال: أَولاً إِيتونى به لأَنه عبر الرؤيا، وقال ثانياً إِيتونى به أَختص به لأَمانته وفوائده، فعاد الرسول الأَول إِلى يوسف فى السجن بعد التعبير وهو فى السجن وقال: أَجب الملك فى الحين واطرح ثياب السجن والبس ثياباً حسنة جدداً، واغتسل، فقام وودع أهل السجن ودعا لهم ولأَهل السجن مطلقاً: اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأَخبار، قيل: فمن ذلك يوجد فى السجن من الأخبار ما لا يوجد فى غيرها، ثم اغتسل وليس ثياباً حسنة، وكتب على باب السجن من خارج: هذا بيت البلوى، وقبر الأَحياءَ، وشماتة الأَعداءِ، وتجربة الأَصدقاءِ ودخل على الملك فكلمه وشاهد منه الملك الرشد { فَلَمَّا كَلَّمهُ } وشاهد منه ما يوجب الرغبة فيه، والضمير فى كلم ليوسف والهاءُ للملك، سلم عليه بالعربية فقال الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمى إِِسماعيل، ودعا له بالعبرانية فقال الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائى، وكان الملك يتكلم بسبعين لغة ولا يعرف العربية والعبرانية، وكلما كلمه بلسان أَجابه بما تكلم به وزاد بالعربية والعبرانية، فأعجبه أَمره مع صغر سنه ابن ثلاثين سنة فأَجلسه إِلى جنبه، وقيل: الضمير فى كلم للملك والهاءُ ليوسف؛ لأَن الملوك هي التي تبدأُ بالكلام، والصحيح ما تقدم، فإِنه عهد أَن يبدأَ الداخل بالسلام والثناءِ فكذا فعل يوسف، وقد روى أَنه لما أَراد الدخول قال: حسبى آخرتى من دنياى، وحسبى ربى من خلقه، عز جارك، وجل ثناؤُك، ولا إِله غيرك، ولما دخل على الملك قال: اللهم إِنى أَسأْلك من خيره وأَعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ولكن هذا قد يقوله سراً، أَو حيث لا يسمعه الملك، ويقدر فأَتوا به، ودخل على الملك فكلمه فلما كلمه، والحذف للدلالة على سرعة الإِتيان به، كأَنه اتصل بقوله: فلما كلمه، وروى أَنه قال له: أَحب أَيها الصديق أَن أَسمع تفسير رؤْياى من لسانك ففسرها كما ذكرها عنه الرسول بلا نقص ولا زيادة ولا تقديم ولا تأْخير، ولم يكن حاضراً مع النسوة فى المجلس، وزعم بعض أَنه حاضر، وأَن معنى إِيتونى به قربوه إِلى { قَالَ } الملك { إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ } الظرفان متعلقان بمكين، والمراد باليوم عصرى { أَمِينٌ } ذو تمكن ورسوخ فى قلوبنا وملكنا، والجاه على أَموالنا وأَحوالنا من أُمور السلطنة والوزارة، وقيل: أَمين من كل مكروه لا تخاف مما مر عليك، فماذا ترى أَيها الصديق فى أَمر السبع الخصبة والسبع المجدبة؟ قيل: ابتلاهم الله بالسبع المجدبة لأَنه أَقام فى السجن سبعاً وهو مظلوم، فقال: أَجمع الطعام وأَكثر الحرث فى السنين المخصبة وأًخزن الحبوب للناس، والتبن والقصب أَيضاً للدواب، وتأْمر الناس أَن يرفعوا الخمس من زورعهم فيكفيك لأَهل مصر ومن حولها، ويأْتيك الناس من سائِر النواحى للميرة فيجتمع عندك من الكنوز مالم يجتمع لأحد قط، ولو زرعت على حجر لأَنبت وأَثمر؛ وذلك من الله - عز وجل -، وروى أَنه لما قال: أُحب أَن أَسمع منك قال: رأَيت سبع بقرات سمان خرجن من النيل يقطرن لبناً ونظرت إِليهن معجباً فغار النيل فخرج من طينه سبع عجاف بأَنياب وأَضراس، وأَكف الكلاب وخراطيم السباع فأَكلن لحوم السمان ومخهن، وأَنت تنظر معجباً إِذا لم يسمن، ورأيت سبع سنابل خضراً وسبعاً يابسات فى منبت واحد ماءٍ، وترى وأَنت تتعجب فى اختلافهن مع اتحاد المنبت فهبت ريح أَضرمت اليابسات على الخضر فانبهت مذعوراً، فقال: والله ما أَخطأْت فيم رأَيت فى المنام، وما رؤْياى بأَعجب من علمك به، كأَنك الرائِى، ومن تفسيرها، ولما قال: اجمع الطعام فتأْتيك أَهل النواحى للميرة، قال: من لى بذلك الحرث والخزائِن وذلك التصرفات وأَهل مصر كلهم لو جمعتهم ما طاقوا ذلك، وليسوا مأْمونين على ذلك فمن يكفينى ذلك؟ فقال يوسف ما قال الله عز وجل عنه:

السابقالتالي
2 3 4