الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ }

{ وَقَالَ } فى اليوم الثالث عند الباب وقت خروج الساقى { لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنهُمْا } وهو الساقى، وهو أَحدهما، فمن للتبعيض، ومن الابتدائِية محذوفة أَى ناج من القتل، والظن بمعنى اليقين مثل:وظنوا أَن لا ملجأَ من الله إِلا إِليه } [التوبة: 118] ونجاة الساقى وقتل الخباز علمهما بالوحى أَو بأَمر من الله له لا يتخلف كإِلهام، وعلى كل حال هو قطعى، وعبر بالظن إِرخاءً للعنان وتأَدباً مع الله تعالى، ولا بأْس بهذا التأْدب مع أَنه جازم لأَن السامع لا يعلم أَنه وحى من الله، فيقول له: كيف لا تجزم مع أَنه من الله - عز وجل - وأَما بحسب الاجتهاد فى التعبير فالظن على بابه وضمير ظن ليوسف، وكنت أَستدل به على عدم وجوب الأَمر أَو إِذا جرت الصلة أَو الصفة أَو الحال أَو الخبر على غير ما هو له، وحكم هؤُلاءِ واحد، وإِن رددنا الضمير إِلى أَحدهما وهو الساقى جرت الصلة على ما هى له، ووجهه ظن الساقى أَنه ناج وأَنه لم يخن وأَنه هو الساقى قبل مع قول يوسف فيسقى ربه خمرا { اذْكُرْنِى } اذكر حالى { عِنْدَ ربِّكَ } سيدك الريان الملك، وقل له إِن فى السجن رجلا مظلوماً اسمه يوسف { فَأَنْسَاهُ } أَى أَنسى الساقى الناجى { الشَّيْطَانُ } تسبب له فى النسيان أَو فى الترك بأَن زين له عدم ذكر يوسف للملك، والمنسى حقيقة هو الله - عز وجل - { ذِْكْرَ ربِّهِ } ذكر يوسف لربه أَى لسيده وهو الريان، والهاءُ للناجى، وأَضاف الذكر إِلى ربه للملابسة، فإِن المراد أَنساه الشيطان ذكر يوسف إِلى ربه الريان وهو رب الساقى أَى سيده، فالمعرفة عين الأُولى كما هو الغالب، أَو الهاءَان ليوسف وهو قول الجمهور، فالمعرفة غير الأولى، فالرب فى ذكر ربه هو الله، ومعنى إِنساء الشيطان يوسف ذكر الله تسببه فى ذهوله عن ذكر الله إِلى ذكر الوليد حتى ابتغى الفرج من مخلوق، ذهولا وغفلةً فى تلك الحال المهولة من السجن، وليس فى قلبه أَن يكون شىءٌ بغير الله، فنقول ركن إِلى الله وحده وتسبب بالمخلوق وذكره الله منه ذلك لعلو مقامه، وأَطال حبسه فى السجن لذلك، وذلك قضاء أزلى، ولكنه خالق الأَسباب والمسببات { فَلَبِثَ } الفاء للسببية، لأَن توصيته عليه السلام المتضمنة للاستعانة بغيره - سبحانه وتعالى - باعته لإنسائه قال الله - عز وجل - من استنقذك من قتل إِخوتك؟؟ قال: أَنت يا رب، قال: فمن استنقذك من الجب؟ قال: أَنت يا رب، قال: فمن استنقذك من المرأَة إذ همت بك؟ قال: أَنت يا رب، قال: فما بالك نسيتنى وذكرت آدمياً؟ قال: يا رب كلمة تكلم بها لسانى، قال - عز وجل - وعزتى لأَدخلنك فى السجن بضع سنين { فِى السِّجْنِ بِضعَ سِنِين } قطعة من السنين، يقال: بضعت الشىءَ قطعته، قيل عن ابن عباس: لبث اثنتى عشرة سنةً، ويرده أَن البضع كالنيف ما لم يستكمل عقداً، وقد شهر أَنه من الثلاث إِلى التسع، وقيل إِلى السبع، ونسب إِلى مجاهد، وقيل إِلى العشر؛ إِلآَّ أَنه روى عبد الله بن راشد البصرى عن سعيد بن أَبى عروبة: أَن البضع ما بين الخمس إِلى الاثنى عشر، وقيل لبث سبع سنين، خمساً منها قبل قوله: " اذكرنى عند ربك " واثنتان بعد ذلك، وصحح، وتقدم أَنهما دخلا مع يوسف السجن فى وقت واحد، فيكون الحلم أَو التحالم آخر الخمس أو أَول الاثنتين، فقوله لهما تخرجان بعد ثلاث بمعنى بعد ثلاث من حين التعبير، وعلى قول الاثنتى عشرة يكون اللبث قبل قوله: اذكرنى خمساً وبعده سبعاً، وفى رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2