الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ فَلَمَا سَمِعَتْ } سمعت امرأَة العزيز { بِمَكْرِهِنَّ } بمكر النسوة، وهو ذكرهن لها بسوءٍ على وجه الخفاءِ، ولما كان على وجه الخفاءِ سمى مكرا كما أَن الاحتيال فى الخداع مكر، أَو ذكرت لهن القصة على أَن لا يذكرنها لأَحد فأَفشينها خيانة وإِرادة لإِغضابها فيكون مشاكلة، إِذ ذكر ذلك باسم المكر لوقوعه فى صحبة ذكر الحيلة منها فى يوسف والكيد، كقوله تعالى:صبغة الله } [البقرة: 138] أَى دين الله سماه صبغة لأَنه فى مقابلة صبغة النصارى لأَولادهم فى الماءِ الأَصفر، أَو سماه مكرا لأَن المراد به التدرج إِلى رؤْية يوسف بإِراءَتها لهن، وهذا يشبه المكر إِذ لا مكر فيه فى العادة، وكان قد وصف لهن بالجمال الكامل { أَرسِلَتْ إِلَيْهِنَّ } من يدعوهن أَن يجئْن إِليها، ويقال: أَرسلت إِلى أَربعين امرأَة منهن الخمس أَو الأَربع المذكورات، ولا يتم هذا لأَن الضمير إِلى النسوة وهى دون الأَربعين؛ إِلا أَن يكون استخدام بأَن رد الضمير إلى النسوة المذكورة لا على معناهن بل على معنى الجنس، ولا مانع من أَن يراد بنسوة الأَربعون لا خمس أَو أَربع، وهن من أَشراف المدينة بأَن تكون الأَربعون عيرنها، أَو أَصل الغيرة من الخمس وفشا منهن فى البواقى من الأَربعين، والخمس سبب لدعوى من سواهن، واختارت الكثرة لتلين عريكته وليجيب ما يرمنه ولإِسكات الخمس ولإِشاعة عذرها، ولعدد الأَربعين استظهار على الأَعداء اللائِمين قال الله - عزوجل:يا أيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } [الأنفال: 64] وهم يؤمئَذ أَربعون بعمر رضى الله عنه تم به العدد آخرا، وكان إِرسالها إِليهن على صورة الضيافة، ومرادها إِقامة عذرها ولا دليل على غير الخمس أَو الأَربع فهن المراد فقط { وأَعْتَدَتْ } أَحضرت، أُصوله العين والتاءُ والدال والهمزة زائِدة كهمزة أًكرم { لَهُنَّ مُتَّكَئاً } موضع اتكاءٍ وهو فراش واحد يكفى بهن، أًو المراد أَعتدت لكل واحدة متكأَ، والاتكاءُ القعود على اطمئْنان، ولا يشترط فيه الميل جانباً ولو شهر الميل جانباً، وعن ابن عباس: المتكأُ مجلس الطعام؛ لأَنهم يتكئون له كما هو عادة الشرقيين وجاءَ النهى فى الحديث عن الأَكل مع اتكاءٍ، وقيل المتكأُ الطعام، قال العتبى: يقال اتكأْنا عند فلان أَى أَكلنا، ومنه بيت الإِيضاح لجميل:
فظللنا بنعمة واتكأْنا   وشربنا الحلال من قلله
أَى وأَكلنا وشربنا { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنهُنَّ سِكِّيناً } بلا طعام أَو لحم أَو فاكهة يقطع بها، وهى الموسى الصغيرة { وَقَالَتِ اخرُجْ علَيْهِنَّ } وقد زينته أَكمل زينة، وقالت أَطعنى اليوم فيما آمرك به واعصنى أَبدا، فتركها لمرادها من التزين والخروج عليهن، فخرج عليهن وبهتن فيه وشغلن عن أَنفسهن فوقعت السكين على يد كل واحدة تقطع بها ولا تشعر، وكانت السكاكين فى غاية من الحدة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7