الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } * { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ يُوسُفُ } يا يوسف ناداه باسمه لطفاً وإِزالة لخوفه { أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } الأَمر واكتمه ولا تظهره وأَنت صادق وكأَنه غير واقع، وحذف حرف النداءِ لأن المقام خفية أَو خفاءُ مع قرب يوسف، والنداءُ من العزيز، وزعم بعض أَنه من الشاهد، وروى هذا عن ابن عباس، والاستغفار المذكور طلب العفو والصفح من العزيز، أَو من الله لأَنهم يقرون بالله تعالى ويعتقدون أَن للقبائح عاقبة سوءٍ من الله تعالى إِن لم يغفرها، وقد قلن حاشا لله، وآمن بالملائكة إٍذ قلن إِن هذا إِلا ملك كريم، { واسْتَغْفِرِى لِذَنْبِكِ } يا زليخاءُ أّو راعيل. { إِنَّكِ كُنْتِ } فى طلب الفاحشة من يوسف، أَو نسبة طلبها إِليه { مِن الْخَاطِئِينَ } ولم يقل من الخاطئات تغليباً، وهو اَقوى من قوله إِنك خاطئة، والخطأُ الذنب قال أَبو حيان: إِذ طال مقامه فى مصر وهو غريب أَندلسى: إِن العزيز كان قليل الغيرة، وإِن تربة مصر تقتضى قلة الغيرة، ولهذا لا ينشأ فيها الأسد ولو دخل لا يبقى، ومما قال فى شأْن مصر:
أًقمنا بمصر نحو عشرين حجة   يشاهدنا ذو أَمرهم ونشاهده
ولما ننل منهم مدى الدهر طائلا   ولما نجد منهم صديقاً نوادده
ومصر تطلق على مصر القاهرة وعلى أَسوان ورشيد وما بينهما، وشهر أَمر يوسف بين الرجال والنساءِ وتحدثوا به كما قال الله - عز وجل:

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ } خمس امرأَة صاحب الملك، وامرأَة صاحب دوابه، وامرأَة خازنة، وامرأَة ساقيه، وامرأَة صاحب سجنه، وهو اسم جمع، وقال الرضى: جمع يقدر له مفرد كفتية وصبية بكسر أَولهما وإِسكان ثانيهما وتأْنيثه غير حقيقى؛ لأَن المراد الجنس، أًو الفريق، فلم يقرن الفعل بالتاءِ، ويقال: هن زوج الحاجب، وزوج الساقى، وزوج الخباز، وزوج السجان، وزوج صاحب الدواب، والحاجب هو البواب، وقال الكلبى: إِنهن أَربع بإِسقاط امرأَة الحاجب { فِى الْمَدِينَةِ } مصر متعلق بقال أَو نعت لنسوة، وذكر المدينة لأَن قول نسائِها أَشد إِغاظة من نساءَ مدينة أُخرى أَو نساءِ البدو { امْرَأَةُ العزيزِ } هو بلسان العرب الملك ولو لم يكن عظيماً فإِنه هنا قطفير وهو وزير الريان { تُرَاوِدُ فَتَاهَا } عبدها الكنعانى يوسف، وأَلف فتى عن ياءِ لقولهم فتيان، وقولهم الفتوة شاذ والأَصل الفتية بوزن الفتوة، وقيل عن واو، وقيل لغتان: إِحداهما عن واو والأُخرى عن ياءٍ، ويرده أَنه لم يسمع فتوان بالواو، وفى الحديث: " لا يقل أًحدكم عبدى وأَمتى وليقل فتاى وفتاتى " ، وذلك ندب لا تحريم، وقد قال الله عز وجل:من عبادكم وإِمائكم } [النور: 32] { عَن نَّفْسِهِ } وهو يمتنع منها، والمضارع للتكرير أَى اعتادت مراودته عن نفسه { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } تمييز عن الفاعل أَى شغفها حبه أَى وصل شغاف قلبها أًى شقة، وهو جلدة تغطى القلب يقال لها لسان القلب، والأَولى أَن يقال: أَصاب حبها شغاف قلبها؛ لأَنه لو شق الشغاف لماتت، فالمراد فرط الحب، ويقال دخل وسط قلبها، وذلك من اشتقاق الفعل من اسم الشىءِ لإِصابته كركبته، أَصبت ركبته، ورئئته أَصبت رئته، وكبدته أَصبت كبده، ورأَسته أَصبت رأسه، أَو المراد أَن حبه دار بقلبها وصار لها حجاباً مانعاً لها من غيره فلا يخطر بقلبها سواه، كما دارت الجلدة على القلب، وقيل الشغاف جلدة رقيقة على القلب غير محيطة به كله، وقيل: الشغاف داءٌ يصل القلب من فرط الحب، أًى وصلت هذه المرتبة من الحب، وقيل الشغاف رأْس القلب عند معلق النياط وقيل سويداءُ القلب، كما قيل عن الحسن أَنه باطنه، وعن الفارسى، أنه وسطه، وقيل: شغفها قتلها، وقيل: أَجنها، وأَول مراتب الحب الهوى؛ فالعلاقة وهى الحب اللازم للقلب فالكلف وهو شدة الحب فالمعشوق وهو ما فضل عن المقدار المسمى بالحب، والشغف بعين مهملة وهو احتراق القلب مع لذة يجدها، وكذا اللوعة واللاعج فالشغف بإِعجام وهو أن يبلغ شغاف القلب، فالجوى وهو الهوى الباطن، فالمتيم وهو أن يستعبده الحب، فالتبل وهو أَن يسقمه الحب فالتدله وهو ذهاب العقل من الحب، فالهيوم وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى { إِنَّا لِنراهَا } نعلمها يقيناً لا مجازفة { فِى ضَلاَلٍ } عن الصواب أَو الدين { مُبِينٍ } ظاهر أَو مظهر شأْنها إِذ تركت ما يتعين على أًمثالها من العفاف لرتبتها ورتبة زوجها حتى دعت هى لنفسها خادمها.