الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }

{ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا } عذابنا كما يدل له قوله عز وجل سوف تعلمون أو وقته كما يدل له قوله عز وجل فارتقبوا إِلخ، مثل ما مر { نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا معَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } وهى الإيمان الذى وفقناهم إِليه أَو مرحمة منا لهم،ذكره بالواو لا بالفاءِ هنا، وفى قصة هود إذ قال ولماجاء أَمرنا نجينا هودا إِلخ لأَنه لم يتقدم ذكر وعيد يجرى مجرى السبب المقتضى لفاءِ السببية فكان العطف بالواو المفيدة لمجرد عطف قصة على أُخرى بخلاف قصة صالح ولوط فإٍِنه ذكر فيهما وعيد فجىءَ بالفاءِ، قال فى قصة صالح فعقروها إِلخ وفى قصة لوط إِن موعدهم الصبح، فكان ما بعد فيهما بالفاءِ التفريعية، وإِن قلت الوعيد مذكور فى قصة شعيب أَيضا وهو قوله: اعملوا على مكانتكم فإنه تهديد، وفى قصة عاد إِذ قال: وما من دابة إِلا هو آخذ بناصيتها قلت: لم يساقا مساق الوعيد فروعى عدم سوقهما مساقة، فلم تكن الفاءُ ولو فى معنى ذكر الوعيد الصريح، وهب أَن الوعيد الضمنى كالصريح لكن السببية قد توجد ولا تلاحظ كما فى آية الواو وقد تلاحظ كما فى آية الفاءِ كقوله تعالى:فهب لى من لدنك وليا يرثنى } [مريم: 5، 6] بالرفع لغير ملاحظتها وبالجزم لملاحظتها فذكر بالفاءِ تارة وبالواو أُخرى تفننا، وقيل ذكر الفاءَ لقرب عذاب قوم صالح وقوم لوط للوعد بثلاثة أَيام بين قوم صالح وبين عذابهم وبسويعات بين قوم لوط وعذابهم إِن موعدهم الصبح، وليس قوم شعيب وقوم هود كذلك وقيل الفاءُ لتقدم الوعد وتركها وإن كان مع الوعد للإشارة إلى سوءِ حال القومين ومزيد فظاعته لمجرد ظلمهم بلا تفرع إذ رمى قوم صالح وقوم لوط رسوليهما بما لم يشاقه به غيرهما رسولا، وفيه أَنه قد شاقه غيرهما فى غير هذه السورة بنحو الجنون إِلا أَن يراعى السوق بحسب ما فى السورة { وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ } أى وَأَخذتهم، ولكن ذكرهم باسم الظلم الموجب للصيحة والصيحة على ظاهرها، وأُجيز أَن يكون نوعا من العذاب والعرب تقول صاح بهم العذاب إذا هلكوا:
دع عنك نهبا صيح فى حجراته   
وفى الأَعراف الرجفة أَى الزلزلة أَو الرجفة الزلزلة فى مبتدإِ الصيحة، صاح بهم جبريل عليه السلام، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: لم يعذب الله أُمتين بعذاب واحد إلا قوم صالح وقوم شعيب عليهما الصلاة والسلام، وزيد قوم هود، أما قوم صالح فأَخذتهم الصيحة من تحتهم وقوم شعيب من فوقهم وقيل من تحتهم، قيل نشأت لهم سحابة وصارت لهم كالظلة فيها ريح ولم يعلموا أَنها عذاب فاجتمعوا تحتها وقد اتقدت عليهم مطامرهم ومظان البرد حرارة، فخرجوا إليها فصيح فيهم وهم تحتها فأَخذهم عذاب يوم الظلة { فأَصْبَحُوا } بعد الليل أَو صاروا { فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمين } ميتين وأصل الجثوم لزوم المكان أو على الركبتين والموت سبب الملزوم المكان.