الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ }

{ وَيَا قَوْمٍ اعْمَلُوا } ما قدرتم عليه من المعاصى والتكذيب { عَلَى مَكَانَتِكُمْ } على قدر قوتكم كلها وتمكنكم، ومن قبل كانوا يعملون ذلك لا بالغاية فلا تحصيل حاصل وعلى فرض أَنهم من قبل يعملون بالغاية فالمعنى دوموا على ذلك فلا تحصيل حاصل، وذلك تهديد كما يناسبه قوله تعلمون { إِنِّى عَامِلٌ } على مكانتى بغاية جهدى فى الطاعة والتصديق، يقال مكن مكانه إِذا تمكن أَبلغ تمكن، والميم أصل والأَلف زائِد أَو مكانتكم الجهة التى هم عليها من المخالفة فهى بمعنى المكان الذى استعير للحال من استعارة اسم العين للمعنى وهى مخالفتهم الشبيهة بموضع الفرار استعارة محسوس لمعقول، والميم زائدة والألف أصل لأَنه من الكون يقال على مكانتك ويقال مكانك، أى اثبت على حالك، أى اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر { سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ومَنْ هُوَ كَاذِبٌ } قرن بالفاءِ فى الأَنعام مراعاة للوصل وتصريحا بأَن التمكن سبب للعقاب لأَنها سببية، ولم يقرن هنا مراعاة للفصل على الاستئْناف البيانى من كونه جواب سؤَال والجواب لا يعطف على السؤَال، وكأَنه قيل فماذا يكون إِذا عملنا؟ فقال سوف تعلمون، وهو أَبلغ فى التهويل إِذ بالغوا فى الإهانة وبالغ لهم بتهديد صريح لا يحتاج إلى التفريع بالفاءِ لأَنه ظاهر مستقل والقرآن يشتمل على البليغ والأَبلغ على طريق العرب فى التفنن وقد يقال ذكرت فى الأنعام لأَن الأَصل عدم الحذف ولأَنها فى النزول والترتيب قبل سورة هود، فيقال إنما يقال حذف الشىءُ إذا كان مقدرا وليست الفاءُ مقدرة فى الاستئناف البيانى وإلا كان وصلا مع أَنه فصل، ويقال أَيضا أَول الذكرين يقتضى المبالغة إذا قلت الأًول أَحق بما هو الأَصل، والأصل من هو كاذب ومن هو صادق على أن الكاذب هم والصادق هو، لكن لم يذكر الصادق لأَن مراد شعيب يكاذب نفسه، أى ومن هو كاذب فى زعمكم وهو أَنا، ومجاراة الخصم شائِعة فى كلام البلغاءِ كما هو وجه مرجوح فى قوله تعالى:أَأَمنتم من فى السماء } [الملك: 16]، إذ قال الكفار إنه تعالى فى السماءِ، وأَولى من ذلك أن تقول الآية ليست على طريق تقدير الصادق بل على معنى أنهم أَوعدوه العذاب بأَيديهم ونسبوه إلى الكذب، فأَجابهم بأَن ستعلمون من المعذب الكاذب أَنا أَم أَنتم وتعلم تعرف ومن موصولة فى الموضعين مفعول أَو استفهامية فالعرفان معلق عن الجملة نائِبة عن مفعوله، وإِن جعلناه متعدياً لاثنين فمعلق عنهما، وقد يقال قوله من يأْتيه عذاب يخزيه متعلق بقوله أَصلواتك إلخ، لأَنه تكذيب له أَو من يأْتيه متضمن لذكر جزائِهم ومن هو كاذب متضمن لجرمهم الذى يجازون به { وَارْتَقِبُوا } انتظروا عاقبة أَمركم أَو ما أَقول لكم من العذاب { إِنِّى معَكُمْ رَقِيبٌ } لذلك ويضعف أن يقول ارتقبوا العذاب إِنى معكم منتظر للرحمة والنصر، إِذ لا يلائمه المعية لأنها ظاهرة فى الاتحاد ومنتظره غير منتظرهم، ولو جازت مع عدم الاتحاد ورقيب فعيل من الثلاثى أَو فعيل بمعنى الفاعل كالعشير بمعنى المعاشر والجليس بمعنى المجالس والعقيد بمعنى المعاقد، أَو فعيل بمعنى المفتعل كالرفيع بمعنى المرتفع أَو بمعنى فاعل كالصريم بمعنى صارم والما صدق واحد والأصل الأَول.