الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }

{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ } غاية ليصنع وما بينهما مستأْنف معترض، أَو حال من ضمير يصنع سواءٌ جعلنا حتى جاره لإِذا وهو مرجوح أَو ابتدائِية والابتدائِية لا تخلو من غاية كالجارة، فإِن بين المرفع وعليه تناهيا برجوع المرفع إِلى المرفع عليه، ما زال يصنع حتى حصل أَول أَمر الله أَو قرب جداً، وهو نزول العذاب وهو واحد الأُمور، وقولنا بركوب السفينة أَو بالفوران أَو بالإِرسال للسحاب أَو الملائِكة فيكون واحد الأَوامر، وليس المراد حتى حصل وقت أَمرنا لأَن الوقت فى إذا والظرف لا يكون ظرفا للظرف اللهم إِلا باعتبار وسط الظرف فيعتبر بإِذا ظرف أَوسع لما بعد المجىءِ وقبله، كالساعة من يوم الجمعة، وفار التنور نبع بالماءِ كارتفاع الماءِ فى القدر بالغليان والتنور تنور الخبز من حجارة كان لمنوح من أُمنا حواءَ فاض الماءُ من حيث تكون النار خلافا للمعتاد، وهو فى موضع الكوفة مسجد أَو على يمين داخل الكوفة مما يلى باب كندة، أَو فى الهند أَو بعين وردة من أَرض الشام أَو فى أَرض جزيرة ابن عمر، وتلك الأَقوال للجمهور، وقيل المراد الجنس، فالماءُ فاض من التنانير أَين هى لا من تنور واحد، ولا ينافى فوران الماء من التنور قوله تعالى: وفجرنا الأَرض عيونا لأَن الحاصل أَنه خرج من الأَرض ومن التنور إِلا أَنه بالفوران ومن الأَرض بالتفجير، أَو التنور وجه الأَرض أَو أَعلى موضع منها على خلاف المعتاد أَيضاً من نبع الماءِ من أَسفل لا من أَعلى، وعن الإِمام على أَن المراد تنوير الصبح ويحسن أَن يكون فار التنور كناية عن اشتد الهول كقوله صلى الله عليه وسلم: " الآن حمى الوطيس " أَى اشتد الحرب، ووجهه تفعول من النور أَصله تنوور قلبت الواو الأَولى همزة فقلبت أَلفاً وحذفت تخفيفاً وشدد النون تعويضاً عما حذف قاله ثعلب. وفيه أَنه إِذا أُريد التخفيف، فكان الحذف لأَجله فلم ثقل بالشد. وقال الفارسى فعُّول وليس فى كلام العرب نون قبل راءٍ، وأَما نرجس فمعرب فتنور معرب، وقيل اتفقت فيه لغة العرب والعجم كالصابون وكان فوران التنور علامة على دخول السفينة وركوبها، وأَعلمته امرأَته به. وكان ذلك فى ثالث عشر من أَبيب فى شدة القيظ، وإِسناد الفور إِلى التنور مجاز عقلى والفائِز الماءُ منه وفيه { قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا } فى السفينة { مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ } شيئَين متقارنين فذلك ذكر وأُنثى من كل نوع إِلا ما يتولد من التراب أَو العفونة أَو الماءِ ويقال حمل العقرب والحية على أَن لا تضرا إِذا خرجتما من يذكر نوحاً، ويقال لم يدخل فيها ما لا يتوالد وما يضر ولم يدخل البغل والبغلة لأَنهم يتوالدان من الحمار والفرس، وأَدخل الأَسد والنمر، وعلى أَن الهر والخنزير والفأْر لم يكن قبل فالمراد من كل زوجين موجودين { اثْنَيْنِ } فردين ذكر وأُنثى مفعول به لا حمل، فالزوجان الحقيقة والاثنان شخصان منها، وقيل يشمل الزوجان ما كان من نبات كالعجوة واليمون والرمان الحلو والحامض، وكل هنا للأَفراد النوعية، قال: يا رب كيف أَحمل فيها ذلك فحشر إِليه الحيوانات فجعلت تلحس قدميه تطلب حملها، فقال: أُمرت باثنين فقط من كل زوجين، فيضرب يديه فتقع يمناه على الذكر ويسراه على الأُنثى، وأَول ما حمل الدرة وآخر ما حمل الحمار، قيل وتعاصت العنز فجذبها بذنبها فصارا أَبداً منفرجا عن مخرجيها وتساهلت النعجة فمسح على ذنبها فستر فرجها، وتعاصى الحمار بتعلق إِبليس بذنبه ونوح يجبذه من أَذنه فقال: ادخل وإِن كان الشيطان معك.

السابقالتالي
2