الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيۤ أَنْفُسِهِمْ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

{ وَلاَ أَقُولُ لكمْ عِندِى خَزَائِنُ اللهِ } رد لقولهم وما نرى لكم علينا من فضل كالمال، وخزائِن الله أَمواله، لم أَدعكم إِلى اتباعى لكثرة أَموالى استتبعكم بها لى فإِنى لست بذى مال، بل أَدعوكم لأَن الله أَمرنى بدعائِكم، والجملة معطوفة على قوله:لا أَسأَلكم عليه مالاً } [هود: 29] والمعنى لا أَسأَلكم مالا ولا حاجة لى به لأَنى أُريد الله لا لكون خزائن الله عندى لأَنه ليست عندى، وسميت الأَموال خزائن لأَنها تخزن أَو الخزائن مقدورات الله تعالى أَى لا أَقول لكم حين أَدعى النبوة عندى مقدرات الله تعالى أَفعل منها ما أَشاءُ، أَو الخزائِن الغيوب والوجهان ضعيفان، وعلى الأَخير سميت الغيب خزائِن، لأَنها تخفى كما يخفى المخزون فيكون راجعاً إِلى قوله:وما نراك اتبعك إِلا الذين هم هم أراذلنا بادى الرأْى } [هود: 27] على أَن المعنى اتبعوك فى الظاهر لا فى الحقيقة، فأَجابهم بأَن الغيب لله، ولا يدريكم بذلك فلعلهم فى الغيب كالظاهر، وكذا قوله { وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ } عطف على لا أَقول أَو على مدخوله وعليه فأَعاد لا دفعا لتوهم أَن المنفى المجموع وعليه فيكون المعنى ولا أَقول أَعلم الغيب، وهذا والجملة قبله متواردان ردا على قولهم وما نراك اتبعك إِلا الذين هم أَراذلنا بادى الرأْى، بمعنى اتبعوك فى بادى الرأْى لا فى الحقيقة فقال لا أَعلم الغيب لعلهم كالظاهر والغيب ما لم يوح به ولم يقم عليه دليل، وإِذا كان العطف على لا أَقول فإِنما لم يقل ولا أَقول أَعلم الغيب مبالغة فى أَنه لا يمكن لأَحد أَن يدعى القول بالغيب { وَلاَ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ } رد لقولهم ما نراك إِلا بشراً مثلنا لم أَدع أَني ملك فضلاً عن أَن تردوا عليّ بقولكم ما نراك إِلا بشراً مثلنا فإِنى مقر بأَنى بشر مثلكم { وَلاَ أَقولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ } تحقرهم { لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خِيْراً } توهموا أَن الله لا يعطى الأَراذل خيراً فى الآخرة على تقدير صحة البعث فى دعوى نوح فقال إِن رذالنهم بالفقر ونحو الحجامة لا تمنعهم من خير الآخرة مع إِيمانهم وعملهم الصالح، أَو أَرادوا لن يؤْتيهم الله خيرا فى الدنيا، فأَجابهم بأَن الأَصل أَن تراعوا خير الآخرة وأَنا أَطمع لهم فيه أَو فيهما، واللام ليست لام التبليغ والخطاب وإِلا قال لن يؤْتيكم بالكاف بل بمعنى فى أَى فى شأْن الذين ويضعف ما قيل للتعليل أَى لا أَقول لكم لأَجل الذين إِلخ، وتزدرى تفتعل من زرى أُبدلت التاءُ دالا لتوافق الزاى فى الجهر وإِسناد الازدراءَ إِلى العين مجاز عقلى للمبالغة وحقيقته لقلوبهم والعين واسطة بالغت قلوبهم فى الاحتقار حتى اتصل بعيونهم على طريق معناه فى القلب، أَو إِسناده إِليها لظهور أَثره فيها بالإِعراض عنهم بها وبلحظ السوءِ وللتنبيه على أَنهم استحقروهم لبادى المعاينة لرثة حالهم، وفى ذلك تجهيل لهم وتحميق لأَنهم استرذلوهم بمجرد فقرهم ورثة حالهم { اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنْفُسِهِمْ } من الخصال الحميدة والإِخلاص فى الإِيمان، هذا جزم من نوح بذلك لهم بإِخبار الله عز وجل أَو بما فى أَنفسهم من خير أَو شر مجاراة للكفار وإِرخاءٌ للعنان، أَو ليس احتقارهم ينقص عنهم ثواب الله أَو يبطله إِن كانوا على حق وإِنما الحكم للذى يعلم ما فى نفوسهم لا لى، وإِذا كان الكلام على سبيل الإِنصاف فى الكلام لم يناف جزمه بأَنهم أَولياءُ الله إِن داموا على ما هم أَو جزمه بذلك الوحى من الله الرحمن الرحيم { إِنِّى إِذًا } إِذ قلت على فرض صدور القول ومضيه أَو إِذا قلت لن يؤْتيهم الله خيراً إِذا جزمت لهم بعدم الخير جهالة للغيب أَو مناقضة لما عند الله من الخير لهم، وهذا لقربه وتبادره أَولى أَو إِذا قلت عندى خزائِن الله أَو أَعلم الغيب أَو لن يؤتيهم الله خيراً أَو ذلك كله، والأَعين والأَنفس جمعا قلة استعملا فى الكثرة ومعناهما النفوس والعيون { لَمِنَ الظَّالِمِينَ } لهم أَو من الظالمين لأَنفسهم، وفيه تعريض بأَنهم ظالمون بذلك القول.