الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

{ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ } المؤْمنين والكافرين، أَى صفتهم الشبيهة بالمثل فى الغرابة والعجب { كَالأَعْمَى والأَصَمِّ } كمثل الأَعمى والأَصم، قدم ما للكافرين مراعاة لما تقدم؛ ولأَن السياق لبيان حالهم وقدم الأَعمى على الأَصم لكونه أَظهر وأَشهر فى سوءِ الحال، ولما ذكر انسداد العين عقبه بذكر انسداد الأُذن، وكذا ذكر انفتاح الأُذن فعقبه بانفتاح العين { وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ } الكافرون كالأَعمى وكالأَصم والمؤْمنون كالسميع وكالبصير كل فريق شبه باثنين فذلك أَربعة تشبيهات، ويجوز أَن يكون الأَصم هو الأَعمى اتصف بالصمم كما اتصف بالعمى والبصير هو السميع اتصف بالبصر كما اتصف بالسمع، وفى هذا تنزيل تغاير الصفتين منزلة تغاير الذات فساغ العطف كأَنه قبل كمثل الإِنسان الجامع بين العمى والصمم والإِنسان الجامع بين السمع والبصر فالأَصل كالأَعمى الأَصم والسميع البصير بغير عطف الأَصم وبغير عطف البصير فشبه كل واحد من الفريقين بواحد جامع بين الصفتين، والأَول هو الأَصل ولا يعتبر صمم الديانة وعماها وسمع الديانة وبصرها، بل المراد عمى العينين وصمم الأُذنين وسمعهما وبصر العينين، وإِلا لزم تشبيه الشىءِ بنفسه لأَن ما بالديانة هو فى الفريقين، والوجهان متحدان معنى لأَن معنى الأَول أَن الكافر أَخذ من الأَعمى عماه ومن الأَصم صممه، والمؤْمن أَخذ من السميع سمعه ومن البصير بصره، فلا يرجح الثانى بأَن الأَعمى قد يهتدى بأُذنيه والأَصم قد يهتدى بعينيه، وفى الآية لف ونشر لا مرتبان ولا معكوسان لإِجمالهما فى الفريقين كالإِجمال فى واووقالوا كونوا هودا أَو نصارى } [البقرة: 135] ولو قال مثل الكافرين والمؤمنين لكان مرتباً أَو مثل المؤمنين والكافرين لكان معكوسا، وفى الآية الطباق مرتين وهو الجمع بين متقابلين بالتضاد إِذ جمع بين الأَعمى والبصير وجمع بين الأَصم والسميع، وفيها المقابلة وهى أَن يؤتى بمعنيين متوافقين وأَكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب وهو داخل فى الطباق وأَخص منه، وفيها تشبيه مركب { هَلْ يَسْتَوِيَانِ } أَى الفريقان، وهذا إِنكار للاستواءِ لا يستويان، والحال أَن أَحدهما كالأَعمى والأَصم والآخر كالسميع والبصير فلك رد ضمير يستويان للأَعمى والأَصم فهما واحد وللسميع والبصير فهما آخر { مَثلاً } تمييز محول عن الفاعل، ومعناه تمثيلا فهو اسم مصدر أَو معناه صفة أَو معناه حال { أَفَلا تَذكَّرُونَ } بضرب الأَمثال وتصريف الآيات والدلائل فى ذلك، الاستفهام للإِنكار سحب على المحذوف بعد الهمزة والمذكور بعدها أَى أَتشكون فى عدم الاستواءِ فلا تذكرون، وإِن قدرنا أَتسمعون هذا فلا تذكرون انسحب على المذكور بعدها بمعنى استبعاد التذكر منهم.