الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }

{ فَلَعَلَّكَ } تفريع على ما تقدم من استهزائِهم ومساوئِهم، وكأَنه قيل إِذا تحقق شأْنهم فى قلبك فلعلك { تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ } الله عالم بكل شىءٍ فلا يتوقع والرسول صلى الله عليه وسلم لا يترك ولا يهم بالترك، فطريق لعل هنا طريق إِن الشرطية قبلها والجزم بعد ذلك، باعتبار نفس الأَمر، فإِنما جاءَت لعل باعتبار المخلوق فى بادىءِ الرأْى إِذا رأَى تلهفه صلى الله عليه وسلم، أَو باعتباره صلى الله عليه وسلم قبل أَن يعلم أَن الله عصمه من الخيانة فى التبليغ والتقية فيه أَو بعد علمه لكن يغلبه التلهف حتى يكون كغيره، وأَما ما قيل فى الجواب عن ذلك من أَنه لا يلزم من توقع الشىءِ لوجود ما يدعو إِليه وقوعه لجواز أَن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل من الخيانة فى الوحى والتقية فى التبليغ مانعاً فلا يتم جواباً لأَنه لا يبقى توقع مع العلم بالعصمة أَو التوقع باعتبار المشركين، أَى بلغ بك الجهد فى التبليغ أَنهم يتوقعون منك ترك تبليغ البعض ويجوز أَن تكون للاستبعاد المتضمن للنهى كما تقول لمن حرص جداً لعلك تطير إِلى السماءِ، أَى لا تحرص ذلك الحرص أَو للاستفهام الإِنكارى كما قيل فى قوله صلى الله عليه وسلم لعلك أَعجلناك، استبعد ذلك أَو أَنكر العصمة وذلك البعض هو ما اشتد المشركون فى إِنكار آلهتهم، وذلك لمخافة ردهم عليه واستهزائِهم يصعب عليه أَن يردوا كلام الله أَو يستهزِئُوا به، ويجوز أَن يكون المعنى كأَنى بك ستترك بعض ما يوحى إِليك على معنى أَن حالك تشبه حال من يقال له ذلك، ولا ينافيه قوله إِن يقولوا لولا إِلخ، لأَن قوله هذا علة لقوله ذلك ويجوز أَن يكون المعنى ستترك بعض ما يوحى إِليك مما يشق عليك بأَدنى، وهو أَن يرخص لك فيه كأَمر الواحد للعشرة إِذ ردوا إِلى واحد باثنين على أَن يراد ترك الجدال بالقرآن إِلى القتال لأَن السورة مكية { وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } عطف على تارك وصدر فاعل أَو مبتدأٌ لضائِق والجملة معطوفة على تارك ونقل ضيقاً بشد الياءِ إِلى ضائِق للدلالة على الحدود لا لمشاركة تارك كما قيل، وذلك كقولك فى كريم كارم أَى حادث الكرم فى الماضى لا الحال أَو الاستقبال، وذلك مقيس كما قال ابن مالك: أَى يعرض لك أَحياناً ضيق صدرك ببعض ما يوحى إِليك، أَى بتلاوته على الكفرة لا لذاته بل لإِنكارهم واستهزائِهم { أَنْ يَقُولُوا } مخافة أَن يقولوا أَو حذر أَن يقولوا، أَو لئَلا يقولوا وبأَن لا يقولوا { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ } ويجوز أَن يكون الهاءُ لمبهم يفسر أَن يقولوا فمصدر يقول بدل من هاءِ به بدل مطابق ولا يجوز أَن يقدر هنا ليقولوا لأَنه ليس يضيق صدره ليثبت قولهم، ولا يقدر أَيضاً لئلا يقولوا لأَنه أَيضاً لا يضيق لانتفاءِ القول وفى الآية دلالة على أَنه صلى الله عليه وسلم راسخ الصبر وفسيح الصدر، فإِن حصل ضيق فحادث عارض يزول، وذلك أَنه لم يقل ضيق، ومعنى نزول الكنز عليه حصوله له لا خصوص ونزوله من السماءِ كما قال وأَنزلنا الحديد والمراد المال الكثير الذى من شأْنه أَن يدفن مخافة عليه أَو وجه ذلك أَن مرادهم التعجيز فأَرادوا كنزا من غير محله وهو السماءُ ومحله الأَرض فيحتمل أَنهم شبهوا السماءَ بالأَرض، ورمزوا لذلك بالكنز أَو شبهوا الإِنزال من السماءِ بالإِخراج من الأَرض ورمزوا لذلك بالكنز، قال رؤُساءُ مكة: اجعل جبال مكة ذهباً وفضة تنفقها على أَهلك وأَصحابك وتكثر به جنودك، أو جىء بملك يصدقك وجىء بقرآن ليس فيه إِبطال آلهتنا، خيروه فى ذلك، وقيل: قالت طائفة لولا أُنزل عليه كنز وقالت طائِفة هلا جاءَ معه ملك، أَو قائِل ذلك عبدالله بن أُمية ورضوا به فنسب للكل، قيل هم النبى صلى الله عليه وسلم أَن لا يذكر الآيات التى فيها ذم آلهتهم فنزلت الآية، وهذا لا يصح بظاهره لأَنه صلى الله عليه وسلم لا يهم بما لا يجوز فكيف فى شأْن التبليغ والتوحيد ولعل المراد بالهم الخطور فى باله كما هو شأْن البشر لا حقيقة الاهتمام بإِيقاع ولا يثبت ولو أَقل من لحظة { إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ } جوابا من الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم كأَنه قيل قل إِنما أَنا نذير، إِنما على التبليغ لا الإِتيان بما اقترحتموه فلا يضق صدرك بقولهم ولا سيما أَن الله عز وجل منتقم منهم لذلك كما قال { وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ } أَى حفيظ فيجازيهم على كفرهم ويجازيك على إِيمانك فتوكل عليه عز وجل ففى ذكر وكيل أَمر بالتوكل.