الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

{ فَإِنْ كُنْتَ فِى شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ } يا محمد مما متعلق بشك أَى شك فيما أَنزلنا أَو بسبب ما أَنزلنا والفاء لمجرد الترتيب الذكرى أَو للسببية، لأَن ذكر القصة فى الجملة سبب للشك، والمراد مما أَنزلنا إِليك من القصص، والمراد الشك على سبيل الفرض والتقدير، كقوله تعالى:قل إِن كان للرحمن ولد } [الزخرف: 81] وقوله:فإِن استعطعت أَن تبتغى نفقاً فى الأَرض } [الأَنعام: 35] إِلخ وقيل الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد أُمته، أَو كل من يسمع، ولا ينافيه قوله عز وجل: " مما أَنزلنا إِليك " فإِنه كقوله تعالى:وأَنزلنا إِليكم نورا مبيناً } [النساء: 174] وما أَنزلنا إِليه فقد أُنزل إِلينا، وقيل: الشك الضيق والشدة لأَن الشك سبب لها وملزوم فى الجملة، تسأَل أَهل الكتاب فيخبرونك بما لقيت الرسل فتصبر كما صبروا، وهو ضعيف ولا يجوز أَن يكون الخطاب فى كنت لمن يصلح للشك وفى إِليك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأَنه لا يجوز خطابان فى كلام واحد مثل أَن تقول أَكرمك وتريد بخطاب أَكرم زيد، وبخطاب الكاف عمرا وقيل إِن نافية واسأل جواب لمحذوف تقديره إِن أَردت زيادة نفى الشك فاسأَل ولا بأْس بهذا، ولو قيل: هو خلاف الظاهر { فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرءُونَ الْكِتَابَ } نحو التوراة والإِنجيل { مِنْ قَبْلِكَ } فإِن ما أَنزلنا إِليكَ هو عندهم فى كتبهم يخبرونك بصدقه ولو أَنكر بعضهم، قال صلى الله عليه وسلم: " يا رب لم أَشك فلا أَسأَل " ، رواه عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة، وكان عمر يسأَل أَهل الكتاب فغضب صلى الله عليه وسلم جداً، فقال: " لو كان أَخى موسى حياً لم يسعه إِلا اتباعى " ، وهذا تهييج له صلى الله عليه وسلم على زيادة الثبوت برسوخ علماء أَهل الكتاب فى معرفة رسالته صلى الله عليه وسلم إِلى كل أَحد، ويتحقق ذلك فى كتبهم، وقيل الخطاب فى ذلك كله لمن يصلح له ولا يعارضه أَنزلنا إِليك ما أَنزل إِليه صلى الله عليه وسلم أُنزل إِلى أُمته، وفى الآية أَنه يجب على كل من خالجته شبهة فى أَمر الدين أَن يسارع إِلى حلها بالرجوع إِلى أَهل العلم، وإِن لم يجد من يحلها وجب عليه أَن يعتقد أَنى فى هذا على ما هو الحق عند الله، وانتظر الفتح فإِن شك هل يوصف الله بكذا سارع إِلى تبديد التوحيد بقوله ليس كمثله شىءٌ، وهيجه أَيضاً على زيادة الثبات بقوله { لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنَّ رَّبِّكَ } واضحاً لا يقبل شكاً ولا شبهة فى أَنكَ رسول إِلى كل أَحد، وأَن هذا عند أَهل الكتاب، وزاد التهييج بقوله عز وجل { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } الشاكين فتزلزل عما أَنت فيه وزاد بقوله:

{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وفى تلك التهييجات قطع لأَطماع الكفار، وعن أَن يترك الحق وإِعلام بأَن الامتراءَ والتكذيب بلغا فى القبح إِلى حيث ينبغى أَن ينهى عنهما من لا يملك أَن يتصف بهما.