الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } * { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

{ الآنَ } آمنت أَو الآن تؤمن، وهذا توبيخ والماضى اعتبارا لإِيمانه الصادر عند المشاهدة والمضارع لحكايته أَو لاستمراره عليه إِلا أَنه لا يقبل ويجوز تقدير ذلك مؤخرا للحصر كأَنه قيل ما آمنت أَو ما تؤمن إِلا الآن حين أيست وشاهدت ولم يبق لك اختيار، ولم يك ينفعهم إيمانهم لما رأَوا بأْسنا، وأَما قوله فلم يؤمنوا عند المشاهدة وإِن آمنوا فإِنهم لم ينطقوا، ويقدر القول هكذا قال جبريل عن الله الآن، أَو قال ميكائِيل أَو قال الله تعالى أَو قيل آلآن { وَقَدْ عَصَيْتَ } الله { قَبْلُ } فى عمرك من حين كلفت بادعاءِ الأُلوهية وسائِر المعاصى والواو للحال { وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } بأَنواع الضلال فى نفسك والإِضلال لغيرك، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قال: " قال لى جبريل لو رأَيتنى يا محمد وأَنا أَدس فى فم فرعون من الطين الأَسود المنتن من البحر مخافة أَن تناله الرحمة بنطقه بالتوحيد " ، فيشكل بأَنه قد نطق به فما نفع هذا الدس، ويجاب بأَنه لم يفصح بلا إله إِلا الله بل قال الذى آمنت به إِلخ، ويدل له رواية مخافة أَن يقول لا إله إِلا الله، وهذا اللفظ لم يقله وعلى فرض أَنه يكفى فى الإِفراد لكن لم يزد موسى رسول الله، ويستشكل بأَن فى الدس منعا عن التوحيد وإِبقاءً على الإِشراك ويجاب بأَن لله أَن يفعل ما يشاءُ، وجبريل لم يفعل إِلا بأَمر الله، وذلك كسائِر تسليط الله على الشقى ما يمنعه عن التوحيد من قتل أَو عيره، ولا بعد الشروع وبأَن ذلك حين لا ينفعه الإِيمان لمشاهدته، فذلك كقوله لأَهل النار فيها اخسئُوا فيها إِلخ، ويستشكل بأَن قول جبريل مخافة أَن تناله الرحمة يفيد أَنه لو أَتى بالتوحيد على وجه تام لكفاه، ويجاب بأَنه قال ذلك لأَنه لا يدرى لعله أَحدث بعد ذلك أَمرا، ولمزيد بغضه له، وبهذا يجاب عن أَن يقال إِن كان لا ينفعه فما فائِدة الدس وفى الدس تحقيق واستعجال لما قضى من شقوته، وإِنما قدرت قال جبريل أَو ميكائِيل عن الله آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، لقوله تعالى:

{ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبِدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيةً وإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } لأَن هذا آخر المقول وهو بالله أَنسب لا يثبت لغيره إِلا باعتبار أَنه عن الله عز وجل، قال ابن عباس إِن بعض بنى إِسرائِيل شكوا فى موت فرعون، ويقال أَيضا أَنهم قالوا ما مات، وذلك لعظمه فى قلوبهم فنجاه الله بعد موته من الغيبة فى الماءِ بإِظهاره على ساحل البحر بدنا بلا روح، أَو بلا لباس كما قال ببدنك أَحمر قصير، أَحمر كأَنه ثور فعرفوه، قيل ومن ذلك لا يقبل الماءُ ميتا أَبدا قلنا بل يقبله قبل وبعد، وإِذا انتفخ طفا على الماءِ لتجوفه، وعرفه الجاهل أَنه ليس إِلها لأَن الإِله لا يموت، وبعد رؤيته رجع فى البحر بالماءِ أَو أَكلته الدواب والطير، وقيل ببدنك بدرعك والبدن يطلق على الدرع العظيمة الكمين، كانت له درع من ذهب مرصعة بجواهر، وقيل من حديد بسلاسل ذهب يعرف بها يصدق لها بموته من ظن أَنه لم يغرق أَو أَنه لا يموت فى الماءِ، والباءُ صلة، وبدن بدل من الكاف، وقال السمين تلميذ أَبى حيان فى مصر إِنها سببية مجازا لأَن بدنه سبب فى تنحيته ليرى أَو للمصاحبة على أَن البدن الدرع أَم قيل هى للآلة على وزان قولك أَخذته بيدك ونظرته بعينك، وكذا هى للمصاحبة إِذا فسر بالجسم أَى بجسمك فقط لا مع روحك تخيبا عن طعمه فى أَن ينجو حيا، ومن خلفك بنو إِسرائيل المكذبون موسى فى قوله إِن فرعون مات ومن بعدهم إِلى آخر الدهر يشاهده من يشاهده على الساحل ما دام عليه ويسمع به غيره ويعرفون أَن دعواه الأُلوهية باطلة ولا تصح لغير الله عز وجل فينزجروا عن دعوى الأُلوهية والإِفساد ولو بلغوا ما بلغوا كفرعون أو فوقه غار النيل فقال قومه: أَجره لنا.

السابقالتالي
2 3