الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ } بحر القلزم جاوز بمعنى جاز وتعدى لواحد بنفسه كما نقول جزنا موضع كذا وللآخر بالباءِ التى كهمزة التعدية، فكأَنه قيل أَجزناهم البحر، ولا تقل غير ذلك، جاءَ يعقوب من الشام إِلى مصر ليوسف فسكنها مع عياله حتى تم له من صلبه وصلب أَولاده وأَولاد أَولاده مع أَولاده اثنان وتسعون، ونموا حتى خرجوا مع موسى وهم ستمائة خرجوا حال غفلة فرعون ويسر الله لهم الخروج وانتبه لهم فرعون فتبعهم على حصان أَدهم ومعه ثمانية آلاف فارس على لون حصانه سوى سائِر الأَلوان والجند يقدمهم جبريل على فرس أُنثى ويسوقهم ميكائِيل حتى لا ينجو منهم أَحد، فقال موسى: يا رب: البحر قدامنا والعدو من ورائِنا، فأَوحى الله إِليه أَن اضرب بعصاك البحر فانفلق على اثنى عشر طريقا فدخلوها كلهم، واقتحم فرس فرعون وهو ذكر إِذ شم رائحة فرس جبريل وهو فرس أُنثى، فأَتبعه قومه حتى دخل آخرهم وخرج آخر بنى إِسرائيل انطبق البحر عليهم، وكانت تلك الطرق ملتوية لا على سمت حتى أَنها خرجت فى الأَرض التى خرجوا منها، وذلك كما قال الله عز وجل { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } أَى تبعهم أَو أَتبعهم أَنفسهم أَعنى أَنفس فرعون وجنوده، أَو يقال تبعه فأَتبعه بمعنى فلحقه، واجتمعوا مع بنى إِسرائيل فى طرق البحر وهم خلف بنى إِسرائيل ولما دخل آخر فرعون وخرج آخر موسى أُغرقوا، وقيل ما دخل فرعون وقومه حتى خرج موسى وقومه { بَغْياً } مجاوزة للحد فى الظلم وقد يبغى الإِنسان على من لا حد له عليه ولا بغض ولذلك { وَّعَدْواً } أَى معاداة بالبغض والحقد، أَى لأَجل البغى والعدو أَو باغين وعادين أَو ذوى بغى وعدو، أَو مفعول مطلق على تضمين اتبع معنى بغى واعتدى أَو يقدر باغين بغيا وعادين عدوا { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ } لحقه وتلبس بأَوائِله، وقيل المعنى حتى غرق، وعليه فالقول الذى ذكر الله تعالى عنه قول بالقلب { قال آمَنْتُ أَنَّهُ } بأَنه أَو صدقت أَنه { لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } أَنشأَ الإِيمان أَو أَنشأَ التصريح به حين لا ينفعه لمشاهدته الوعيد وملائِكة الموت، وهو فى ذلك الحين غير مكلف، ولأَنه لم يقل موسى رسول الله فهو كمن قال لا إِله إِلا الله ولم يقل محمد رسول الله { وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ } زاده تأْكيداً ليقبل إِيمانه مع أَنه أَبلغ من أَن يقول أَسلمت، والإِسلام الإِذعان للأَحكام هنا، وهو المعنى اللغوى وإِن حمل على الشرعى وهو الخروج من الشرك ولو اختار بعض أَن الإِسلام الشرعى مختص بما جاءَ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأَراد بالمسلمين على الوجهين بنى إِسرائِيل ففى الآية أَن فرعون عالم بإِيمان بنى إِسرائيل وإِسلامهم، ولعلهم كانوا يسرون ذلك أَول الأَمر وأَظهروه بعده حين آمنت السحرة، ولم يقل آمنت بالله الذى آمنت به إِلخ قيل لأَنه غير عارف بالله وقيل هو مقر عارف به سرا إِلا أَنه ننكره ظاهراً، وعليه فلعله لم يصرح به ليوافق المراد الذى نجت به بنو إِسرائيل لأَن التخصيص تخاف فيه المخالفة وهذا البقاءُ جهالة فيه.