{ وَاتْلُ } يا محمد { عَلَيْهِمْ } على قومك أَهل مكة أَو المشركين مطلقاً { نَبَأَ نُوحٍ } خبره { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } قيل هم من بنى قابيل وإِذ بدل اشتمال من نبأ ولا يتعلق نبأ لأَن وقت القول لم يكن حال الإِخبار ويجوز تعليقه بنعت مقدر هكذا نبأَ نوح الواقع إِذ قال وفى الآية حذف مضاف أَى بعض نبئِه أَو الإِضافة للجنس الصادق بالبعض لأَنه لم يذكره كله بل بعضه وهو قوله { يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى } أَى قيامى أَى لبثى فيكم بالدعوة كقولك قام بكذا أَو اسم مصدر أَى إِقامتى بالدعوة فيكم مدة طويلة إِن قال ذلك بعد طول ما فكيف إِن قاله فى وسط عمره أَو آخره، أَو كناية عن نفسى أَو عن ذاتى، كما يقال سلام على مقام فلان، وعظم الله حضرة فلان، يراد فلان على أَنه اسم مكان أَو مصدر تصرف فيه، أَو من القيام ضد القعود على أَنه يعمهم قائِماً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ على المنبر قائِماً وعيسى عليه السلام يعظ الحواريين قائِماً وذلك ليعم الاستماع، أَو مقام هو من زيادة الأَسماءِ، أَى إِن كان كبرت عليكم، واسم كان ضمير الشأْن أَو تنازع كان وكبر فى مقامى { وَتَذْكِيرِى } لكم { بِآيَاتِ اللهِ } الجواب محذوف تقديره لم أَبال باستثقالكم أو فافعلوا ما شئْتم وناب عنه علته وهو قوله { فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ } والمعنى لأَنى على الله توكلت، أَو الجملة هى الجواب عبارة عن عدم مبالاته أَو عبارة عن استمرار توكله على الله تعالى، أَو إِحداث مرتبة مخصوصة فى التوكل أَو الجواب، فأَجمعوا أَمركم وقدم الظرف للحصر وللاهتمام، وكانت الفاءُ مع أَن الجواب يصلح شرطاً للفصل بمتعلقه وكأَنه جملة اسمية، وقيل لا يجوز الفصل بين أَداة الشرط وفعله إِلا قليلا خلاف القياس نحو إِن زيداً أَكرمت وإِن بزيد مررت فحينئذ يقال قرن بالفاءِ لأَنه لا يصلح أَن يكون شرطاً { فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ } أَتقنوا كيدكم عطف إِنشاءٍ على إِخبار { وَشُرَكَاءَكُمْ } مفعول لمحذوف تقديره واجمعوا بوصل الهمزة وفتح الميم لأَن أَجمعوا بالهمزة فى المعانى وجمع فى الأَجسام، أَو يقدر وادعوا شركاءَكم أَو منصوب على المعية أَو يقدر مضاف أَى وأَمر شركائكم فيكون المعمول من المعانى فيصح عمل أَجمع بالهمزة فيه بواسطة العطف، وقيل أَجمع وجمع بمعنى فيكون أَمركم مفعولا به له، وقيل المراد بشركاءَ من على دينهم والمشهور أَنهم الأَصنام { ثُمَّ } لتراخى الرتبة { لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ } أَظهر فى مقام الإِضمار لزيادة التقرير، وقيل المراد به أَمر آخر وهو ما يعتريهم منه من الشدة فيكون الغمة بمعنى الكرب { عَلَيْكُمْ غُمَّةً } نهى الأَمر أَن يكون غمة عليهم، والمراد نهيهم عن أَن يغتموا به، ولك وجه النهى إلى الأَمر مبالغة، فإِنه كنية عن نهيهم عن جعل أَمرهم غمة عليهم، أَو المعنى لا تجعلوا أَمركم فى قصد غمة أَى مستورا بل أَظهروه ولا تجعلوه حزناً وهما وإِن قتلتمونى استرحت { ثُمَّ اقْضُوا إِلىَّ } والمفعول محذوف أَى أَنفذوا فى ما أَردتم، استعارة مكنية إِذ شبه الهلاك بالدين والقضاءُ تخييل وعدى بإِلى لتضمينه معنى أدوا أَو أَبلغوا أَو أَقضوا بمعنى احكموا فهو تضمين واستعارة مكنية { وَلاَ تُنْظِرُونِ } لا تمهلونى فإِنى لا أُبالى بكم ولو تقتلوننى فإِنى متوكل على الله عز وجل ولا أَترك دينى.