الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }

{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } أَىْ يجمع لكم الرزق، منهما يحصله منهما معاً لا من واحد فقط فإِن الطعام بالماءِ وبالأَرض، فالإِنسان يشرب الماءَ ويعمل الطعام به، والطعام بالنبات بالماءِ والحيوان بالنبات والماءِ، وأَيضاً النبات باختلاف الفصول حرارة وبرداً وتوسطاً وحرارة الشمس والقمر والأَرض بحرارتها شتاءً وبردها صيفاً، ويجوز أَن يكون أَن لكم رزقاً من السماءِ وهو الماءُ ورزقاً من الأَرض، ومن للابتداءِ، ويجوز أَن يكون المعنى من يرزقكم من أَهل السماءِ أَو من أَهل الأَرض فمن للبيان والمراد بأَهل السماءِ والأَرض غير الله، فإِنه لا يجوز أَن يكون فيهما بل فى كل موضع بعلمه وقدرته وتصرفه والاستفهام للتقرير ويصح للإِنكار، أَى لا رازق لكم من أَهلهما، وعلى فرض وصف أَنه من أَهلهما باعتبار ملكه إِياهما فكأَنهم قالوا يرزقنا الله لا غيره منهما، والآية رد على القدرية أَن الحلال رزق من الله تعالى والحرام يرزقه الإِنسان نفسه، فإِن الحرام أَيضاً رزق من الله تعالى يعاقب الإِنسان على تناوله { أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ } أَى محال السمع وهى الأُذن ومحال البصر وهى الأَبصار أَى العيون والسمع بمعنى الأَسماع بفتح الهمزة، ويجوز أَن يكون معناه إِدراك الصوت فيقدر وبصر الأَبصار أَى من يملك إِدراك الأَصوات ونظر الأَبصار فيقدر مضاف، وكان عليّ يقول: سبحان من أَبصر بشحم وأَسمع بعظم وأَنطق بلحم. ويجوز تفسير الملك باستطاعة خلق السمع والبصر وتسويتهما أَو بالحفظ من الآفات مع سرعة تأَثرهما بالفساد بأَدْنى شىءٍ، وملك الشىءٍ سبب للتصرف فيه بلا يعجز عن التصرف والحفظ له وقوله: أَم من يملك السمع والأَبصار أَعم معنى من قولك أَم من يملك خلق السمع والأَبصار أَو حفظ السمع والأَبصار، وإِفراد السمع لفظاً لانفراد متعلقه وهو الأَصوات بخلاف البصر وأَخواتهما، أَو لأَنه مصدر وأَم منقطعة بمعنى الإِضراب الانتقالى بلا استفهام لوجوده بمن بعدها { وَمَنْ يُخْرِجُ الحَىَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ } الحيوان من النطفة ومن البيضة ومن الماءِ ومن العفونة الميتات، والنطفة وما فى البيضة وهما ميتات من الحى، وكذا الحيوان إذا مات فهو ميت خرج من حى هو نفسه قبل الموت فلا يخرج عند ذلك ما مات بعد خروجه من ميت وهو جميع الحيوانات والملائكة من ميت، وهو النور والتسبيح وإِبليس من ميت هو النار، بل الملائِكة حيوان بلا طعام ولا شراب ولا منهما والحيوانات خلقت من طعام وشراب ويصدق الميت على الوسائِط كالطعام والنطفة والعلقة والمضغة واللحم والعظم فكل ذلك ميتات، وفسر بعضهم الآية بالمؤمن من الكافر والعكس، وليس بظاهر لأَن الآية سيقت وعظاً للمشركين وهم لا يعتبرون ذلك، والآية شاملة للميت بلا تقدم حياة كالمتعفن الذى هو من تراب أَو وسخ إِذا تولد منه شىءٌ.

السابقالتالي
2