الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }

{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } لما توعد الله تعالى من لا ينفر مع رسوله عليه السلام وضرب له من الأمثال ما ضرب، اتبعه بهذا الأمر الجزم، والمعنى انفروا على الوصف الذي يخف عليكم فيه الجهاد، أو على الوصف الذي يثقل. والخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ومن يمكنه بصعوبة، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا.

{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } أي لو كان ما دعوا إليه غنماً قريباً سَهْلَ المنال وسفراً قاصداً وسطاً مقارباً. وهذه الآية في قصة تبوك حين استنفر المؤمنين فنفروا واعتذر منهم لا محالة فريق لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة.

{ لاَّتَّبَعُوكَ } لبادروا إليه لا لوجه الله ولا لظهور كلمته.

{ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } أي المسافة الطويلة في غزو الروم. والشُقة: السفر البعيد. وربما قالوه بالكسر في الشين.

{ وَسَيَحْلِفُونَ } أي المنافقون. وهذا إخبار بغيب. قال الزمخشري في قوله: وسيحلفون بالله، ما نصه: بالله متعلق بسيحلفون أو هو من كلامهم، والقول مراد في الوجهين أي سيحلفون متخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله.

{ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أو وسيحلفون بالله يقولون: لو استطعنا. وقوله: لخرجنا، سد مسد جواب القسم ولو جميعاً والاخبار بما سوف يكون بعد القول من حلفهم واعتذارهم. وقد كان من جملة المعجزات. ومعنى الاستطاعة: استطاعة العدّة أو استطاعة الأبدان، كأنهم تمارضوا. " انتهى ". وما ذهب إليه من أن قوله: لخرجنا، سدّ مسدّ جواب القسم، ولو جميعاً ليس بجيد بل للنحويين في هذا مذهبان: أحداهما: أن لخرجنا هو جواب القسم، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم. والشرط إذا تقدم القسم على الشرط وهو اختيار ابن عصفور، والآخر: ان لخرجنا هو جواب لو، وجواب القسم هو لو وجوابها وهذا هو اختيار ابن مالك، اما انّ لخرجنا يسد مسدهما فلا أعلم أحداً ذهب إلى ذلك.

{ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } بالحلف الكاذب أي يوقعونها في الهلاك به. والظاهر أنها جملة استئناف إخبار منه سبحانه وتعالى. وقال الزمخشري: يهلكون أنفسهم، إما أن يكون بدلاً من سيحلفون، أو حالاً بمعنى مهلكين، والمعنى أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب وما يحلفون عليه من التخلف. ويحتمل أن يكون حالاً من قوله: لخرجنا، أي لخرجنا معكم وان أهلكنا أنفسنا وألقيناها إلى التهلكة بما نحملها من السير في تلك الشقة. وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم، ألا ترى أنه لو قيل: سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا، لكان سديداً. يقال: حلف بالله ليفعلن ولأفعلن، فالغيبة على حكم الاخبار والتكلم على الحكاية. " انتهى ".

اما كون يهلكون بدلاً من سيحلفون فبعيد، لأن الاهلال ليس مرادفاً للحلف ولا هو نوع من الحلف، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفاً له أو نوعاً منه، واما كونه حالاً من قوله: لخرجنا، فالذي يظهر أن ذلك لا يجوز لأن قوله: لخرجنا فيه ضمير التكلم فالذي يجري عليه إنما يكون بضمير المتكلم، فلو كان حالاً من ضمير لخرجنا لكان التركيب نهلك أنفسنا أي مهلكي أنفسنا.

السابقالتالي
2