الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ } الآية، نهى عن اتخاذ الآباء والإِخوان أولياء إذ كانوا قد آثروا الكفر على الإِيمان، وحكم بأن من تولاهم كان منهم وأنه ظالم.

{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ } الآية، هذه الآية تقتضي الحض على الهجرة، وذكر الأبناء لأنهم أعلق بالنفس، وقدم الآباء لأنهم هم الذين يجب برهم وإكرامهم وحبّهم، وثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب، ولما ذكر الأصل والفرع، ذكر الحاشية وهي الاخوان، ثم ذكر الأزواج وهن في المحبة والإِيثار كالأبناء، ثم الأبعد بعد الأقرب في القرابة فقال: { وَعَشِيرَتُكُمْ }. ثم ذكر { وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } أي اكتسبتموها لأن الأموال يعادل حبها حب القرابة بل حبها أشد، وكانت الأموال في ذلك الوقت عزيزة وأكثر الناس كانوا فقراء.

ثم ذكر { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } والتجارة لا تتهيأ إلا بالأموال. وجعل تعالى التجارة سبباً لزيادة الأموال ونمائها.

ثم ذكر { وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ } وهي القصور والدور. ومعنى ترضونها تختارون الإِقامة بها.

وانتصب أحب على أنه خبر كان، واسمها آباؤكم فما بعده.

وقرأ الحجاج بن يوسف أحب بالرفع فخطأه يحيى بن يعمر من حيث الرواية لأنه لم يرو إلا النصب وإن كان الرفع جائزاً من جهة العربية لأنه كان يكون في كان ضمير الأمر والشأن وهو اسمها. وآباؤكم وما عطف عليه مبتدأ. وأحب خبر. والجملة في موضع نصب على أنها خبر كان.

{ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي من الإِيمان بالله واتباع رسوله عليه السلام.

{ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ } أي انتظروا. وهو أمر يتضمن التهديد.

{ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } قال ابن عباس: هو فتح مكة.

{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ } الآية، المواطن مقامات الحرب ومواقفها. وهذه المواطن وقعات بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة، ووصفت بالكثرة. قال أئمة التاريخ: كانت ثمانين موطناً.

{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } حنين هو واد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز، وصرف مذهوباً به مذهب المكان ولو ذهب به مذهب البقعة لم يصرف، كما قال الشاعر:
نصروا نبيّهم وشدوا أزره   بحنين يوم تواكل الأبطال
وإذ بدل من يوم، وأضاف الإِعجاب إلى جميعهم وإن كان صادراً من واحد منهم لما رأى الجمع الكثير أعجبه ذلك وقال: لن نغلب اليوم من قلة وهذه الكثرة. قال ابن عباس: كانوا ستة عشر ألفاً.

والباء في { بِمَا رَحُبَتْ } للحال، وما: مصدرية، أي ضاقت بكم الأرض مع كونها رحبة واسعة لشدة الحال عليهم. والرحب: السعة، وبفتح الراء الواسع. يقال: فلان رحب الصدر، وبلد رحب، وأرض رحبة، وقد رحبت رحباً ورحابة.

{ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } أي وليتم فارين على إدباركم منهزمين تاركين رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وأسند التولي إلى جميعهم وهو واقع من أكثرهم إذ ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من الأبطال على ما يأتي ذكره.

السابقالتالي
2 3