الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً } الآية، مات قوم كان عملهم على الأمر الأول كاستقبال بيت المقدس وشرب الخمر فسأل قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مجيء النسخ ونزول الفرائض عن ذلك. فنزلت، أي ما كان الله ليديم إضلال قوم أرشدهم إلى الهدى حتى يُبيّن لهم ما يتقونه أي يتجنبونه فلا يجدي ذلك فيهم فحينئذٍ يدوم إضلالهم.

{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } الآية، قال ابن عطية: التوبة من الله تعالى رجوعه لعبده من حالة إلى حالة أرفع منها، وقد تكون في الأكثر رجوعاً عن حالة المعصية إلى حالة الطاعة، وقد تكون رجوعاً من حالة طاعة إلى أكمل منها، وهذه توبته في هذه الآية على النبي لأنه رجع به من حالة قبل تحصيل الغزوة وتحمل مشقاتها إلى حالة بعد ذلك أكمل منها. وأما توبته على المهاجرين والأنصار فحالها معرضة لأن تكون من نقصان إلى طاعة وجد في الغزو ونصرة في الدين. وأما توبته على الفريق فرجوع من حالة محطوطة إلى حالة غفران ورضى.

{ ٱتَّبَعُوهُ } أي اتبعوا أمره.

{ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } وهي الضيق والشدة والعدم. وهذا هو جيش العسرة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان بن عفان بألف جمل وألف دينار. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب الدنانير بيده وقال: وما على عثمان ما عمل بعد هذا " وجاء أنصاري بسبعمائة وسق من تمر. وقال مجاهد وغيره: بلغت العسرة بهم إلى أن كان العشرة منهم يعتقبون على بعير واحد من قلة الظهر، وإلى أن قسموا التمرة بين الرجلين، وكان النفر يأخذون التمرة الواحدة فيمصها أحدهم ويشرب عليها الماء ثم يفعل بها كلهم ذلك. وقال عمر بن الخطاب: أصابهم في بعضها عطش شديد حتى جعلوا ينحرون الإِبل ويشربون ما في كروشها من الماء، ويعصرون الفَرْثَ حتى استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرَفَع يديه يدعو فما رجّعهما حتى انسكبت سحابة فشربوا وادخروا ثم ارتحلوا، فإِذا السحابة لم تخرج من العسكر وفي هذه الغزاة هموا من المجاعة بنحر الإِبل فأمر صلى الله عليه وسلم بجمع فضل ازوادهم حتى اجتمع منه على النطع شىء يسير فدعا فيه بالبركة، ثم قال: خذوا في أوعيتكم ملؤها حتى لم يبق وعاء وأكل القوم كلهم حتى شبعوا وفضلت فضلة وكان الجيش ثلاثين ألفاً وزيادة، وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم وفيها خلف علياً رضي الله عنه بالمدينة، فقال المنافقون: خلفه بغضاً له. فأخبره بقولهم فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.

السابقالتالي
2