الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } الآية، نزلت في البيعة الثانية وهي بيعة العقبة الكبرى، وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين وكان أصغرهم سناً عقبة بن عمرو " وذلك أنهم اجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة، فقالوا: اشترط لك ولربك والمتكلم بذلك عبد الله بن رواحة فاشترط رسول الله حمايته مما يحمون منه أنفسهم. واشترط لربه التزام الشريعة وقتل الأحمر والأسود في الرفع عن الحوزة فقالوا: ما لنا على ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم: الجنة. فقالوا: نِعْم ربح البيع لا نقيل ولا نقائل " وفي بعض الروايات: ولا نستقبل. فنزلت. والآية عامة في كل من جاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة. والظاهر من قوله في التوراة والإِنجيل والقرآن أن كل أمة أمرت بالجهاد ووعدت عليه بالجنة، فيكون في التوراة متعلقاً بقوله: اشترى. والأمر بالجهاد والقتال موجود في جميع الشرائع.

{ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } هذا استفهام على جهة التقرير أي لا أحد أوفى ولما أكد الوعد بقوله: حقاً أبرزه في صورة العهد الذي هو آكد وأوثق من الوعد إذ الوعد في غير حق الله تعالى جائزاً خلافه والعهد لا يجوز إلا الوفاء به إذ هو آكد من الوعد، قال الزمخشري: ومن أوفى بعهده من الله لان اخلاف الميعاد قبيح لا يقدم عليه الكرام في الخلق مع جوازه عليهم لحاجتهم، فكيف بالغني الذي لا يجوز عليه قبيح قط. ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن منه وأبلغ انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال واستعمال قط في غير موضعه لأنه أتى به مع قوله: لا يجوز عليه قبيح قط. وقط: ظرف ماض فلا يعمل فيه إلا الماضي.

ثم قال: { فَٱسْتَبْشِرُواْ } خاطبهم على سبيل الالتفات لأن في مواجهته تعالى بالخطاب تشريفاً لهم وهي حكمة الإِلتفات هنا. وليست استفعل هنا للطلب بل هي بمعنى أفعل كاستوقد وأوقد.

و { ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } وصف على سبيل التوكيد ويحيل على البيع السابق.

ثم قال: { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي الظفر للحصول على الربح التام، والغبطة في البيع لحط الذنب ودخول الجنة.

{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ } الآية: قال ابن عباس: لما نزلت ان الله اشترى، الآية، قال رجل: يا رسول الله وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر؟ فنزلت: التائبون.. الآية. وهذه أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله ليستبق إلى التحلي بها عباده وليكونوا على أوفى درجات الكمال، التائبون قيل: هو مبتدأ خبره العابدون، وما بعده خبر بعد خبر أي التائبون في الحقيقة الجامعون لهذه الأوصاف. وقيل: خبره الآمرون. وقيل: خبره محذوف بعد تمام الأوصاف وتقديره من أهل الجنة، وترتيب هذه الصفات في غاية من الحسن إذ بدأ أولاً بما يخص الإِنسان مرتبة على ما ينبغي، ثم بما يتعدى من هذه الأوصاف من الإِنسان لغيره وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بما يشمل ما يخصه في نفسه وما يتعدى إلى غيره وهو الحفظ لحدود الله تعالى.

السابقالتالي
2