الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } الآية، ذكر في البحر في تأويل هذه الآية خمسة عشر قولاً لم يتضح شىء منها ومن دفع إلى حوك الكلام وتقلب في إنشاء أفانينه وزوال الفصاحة والبلاغة لم يستحسن شيئاً من تلك الأقوال، وان كان بعض قائلها له إمامة في علم النحو ورسوخ قدم لكنه لم يتحنك بلوك الكلام ولم يكن في طبعه صوغه أحسن صوغ ولا التصرف في النظر فيه من حيث الفصاحة وما به يظهر الإِعجاز، وقيل تسطير هذه الأقوال في البحر وقفت على جملة منها فلم يَلْقِ بخاطري منها شىء فرأيت في النوم أني أمشي في رصيف ومعي رجل أباحثه في قوله: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، فقلت له: ما مرّ بي شىء مشكل في القرآن مثل هذا، ولعل ثم محذوفاً يصح به المعنى وما وقفت فيه لأحد من المفسرين على شىء طائل، ثم قلت له: ظهر لي الساعة تخريجه وإن ذلك المحذوف هو نصرك، واستحسنت أنا وذلك الرجل هذا التخريج ثم انتبهت من النوم وأنا أذكره والتقدير فكأنه قيل: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، أي بسبب إظهار دين الله تعالى وإعزاز شريعته وقد كرهوا خروجك تهيباً للقتال وخوفاً من الموت إذ كان أمر عليه السلام بخروجهم بغتة ولم يكونوا مستعدين للخروج وجادلوك في الحق بعد وضوحه نصرك الله وأمدّك بملائكته. ودل على هذا المحذوف الكلام الذي بعده وهو قوله: إذ تستغيثون ربكم الآيات، ويظهر أن الكاف في هذا التخريج المنامي ليست لمحض التشبيه بل فيها معنى التعليل. وقد نص النحويون أنها قد يحدث فيها التعليل وخرّجوا عليه قوله تعالى:وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ } [البقرة: 198]. وأنشدوا:
لا تشتم الناس كما لا تشتم   
أي لانتفاء أن يشتمك الناس لا تشتمهم ومن الكلام الشائع في هذا المعنى كما تطيع الله عز وجل يدخلك الجنة أي لإِطاعتك الله يدخلك الجنة فكان المعنى لأجل أن خرجت لإِعزاز دين الله تعالى وقتل أعدائه نصرك الله وأمدّك بالملائكة. والظاهر أن من بيتك هو مقام سكناه بالمدينة لأنها مهاجرة ومختصة به.

والواو في: { وَإِنَّ فَرِيقاً } واو الحال ومفعول.

{ لَكَارِهُونَ } هو الخروج أي لكارهون الخروج معك وكراهتهم ذلك اما لنفرة الطبع وإما لأنهم لم يستعدوا للخروج.

والظاهر أن ضمير الرفع في { يُجَادِلُونَكَ } عائد على فريقاً من المؤمنين الكارهين وجدالهم قولهم: ما كان خروجنا إلا للعير ولو عرفنا لاستعددنا للقتال والحق هنا نصرة دين الإِسلام. ويحتمل أن يكون يجادلونك في موضع الحال من الضمير في لكارهون. ويحتمل أن يكون استئناف اخبار وما في قوله: ما تبين مصدرية أي بعد تبينه وهذا أبلغ في الإِنكار لجدالهم بعد وضوح الحق كأنما يساقون إلى الموت شبه حالهم في فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بمال من يشاق على الصغار إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها.

السابقالتالي
2