الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } الآية لما ذكر تعالى ما حل بالأمم السالفة من بأسه وسطوته عليهم آخر أمرهم حين لا تجدي فيهم موعظة ذكر تعالى أن تلك عادته في اتباع الأنبياء إذا أصروا على تكذيبهم. وجاء بعد إلاّ فعل ماضي وهو أخذنا، ولا يليها فعل ماض إلا أن تقدم فعل أو أُصحب بقد فمثال ما تقدمه فعل هذه الآية ومثال ما أصحب قد، قولك: ما نريد إلا قد قام. قال الشاعر:
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة   لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
والجملة من قوله: أخذنا، حالية أي الآخذين أهلها، وهو استثناء مفرّغ من الأحوال. وتقدم تفسير نظير قوله: إلا أخذنا إلى آخرها.

{ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ } أي مكان الحالة السيئة من البأساء والضراء الحالة الحسنة من السراء والنعمة. ومكان هو محل الباء أي بمكان السيئة. وفي لفظ مكان اشعار يتمكن البأساء منهم كأنه صار عندهم للشدة مكان.

{ حَتَّىٰ عَفَوْاْ } أي كثروا وتناسلوا.

{ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ } أبطرتهم النعمة وأسروا فقالوا هذه عادة الدهر ضراء وسراء. وقد أصاب آباءنا مثل ذلك وليس ذلك بابتلاء وقصد، بل ذلك بالاتفاق لا على ما تخبر الأنبياء جعلوا أسلافهم وما أصابهم مثلاً لهم ولما يصيبهم فلا ينبغي أن تنكر هذه العادة من أفعال الدهر.

{ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } تقدم الكلام على مثل هذا لما فسدوا على التقديرين أخذوا هذا الأخذ.

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ } الآية، أي لو كانوا ممن سبق في علم الله تعالى أن يتلبسوا بالإِيمان بما جاءت به الأنبياء وبالطاعات التي هي ثمرة الإِيمان لتيسر لهم من بركات السماء ولكن كانوا ممن سبق في علمه أنهم يكذبون الأنبياء فيؤخذون باجترامهم وكل من الإِيمان والتكذيب والثواب والعقاب سيق به القدر. وأضيف الإِيمان والتكذيب إلى العبد كسباً، والموجد لهما هو الله تعالى، لا يسأل عما يفعل. والظاهر أن قوله: بركات من السماء والأرض، لا يراد بها معين، ولذلك جاءت نكرة. وقيل: بركات السماء: المطر، وبركات الأرض: الثمار.

{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } الهمزة دخلت على أمِنَ للاستفهام على جهة التوقيف والتوبيخ والإِنكار والوعيد للكافرين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك. والفاء لعطف هذه الجملة على ما قبلها. قال الزمخشري: فإِن قلت: ما المعطوف عليه ولم عطفت الأولى بالفاء والثانية بالواو؟ قلت: المعطوف عليه قوله: فأخذناهم بغتة. وقوله: ولو أن أهل القرى، إلى قوله: يكسبون. وقع اعتراضاً بين المعطوف والمعطوف عليه وإنما عطفت بالفاء لأن المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى.

السابقالتالي
2