الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }

{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } الآية، لنخرجنك جواب قسم محذوف والقسم يكون على فعل المقسم كقوله: لتخرجنك وعلى فعل غيره، كقوله: أو لتعودن، وهذا يدل على صعوبة مفارقة الوطن إذ قرنوا ذلك بالعود إلى الكفر وفي الإِخراج والعود طباق معنوي، والعود هنا بمعنى الصيرورة.

{ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } أي أيقع منكم أحد هذين الأمرين على كل حال حتى في حال كراهيتنا لذلك. والاستفهام للتوقيف على شنعة المعصية بما أقسموا عليه من الإِخراج عن مواطنهم ظلماً، والإِقرار بالعود في ملتهم. قال الزمخشري: الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال تقديره أتعيدوننا في حال كراهيتنا وليست واو الحال التي يعبر عنها النحويون بواو الحال بل هي واو العطف عطفت على حال محذوفة كقوله عليه السلام: " ردوا السائل ولو بظلف محرق " ، ليس المعنى ردوه في حال الصدقة عليه بظلف محرق بل المعنى ردوه مصحوباً بالصدقة ولو مصحوباً بظلف محرق. وتقدم لنا إشباع القول في هذا المعنى.

{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } الآية هذا إخبار مقيد من حيث المعنى بالشرط، وجواب الشرط محذوف من حيث الصناعة وتقديره ان عدنا في ملتكم فقد افترينا. وليس قوله: قد افترينا على الله كذباً، هو جواب الشرط الأعلى مذهب من يجيز تقديم جواب الشرط على الشرط فيمكن أن يخرج هذا عليه ونظير هذا التركيب الفصيح قول الاشتر النخعي واسمه الحرث:
بقيت وَفْدى وانحرفت عن العلا   ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارة   لم تخل يوماً من ذهاب نفوس
{ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ } أي ما ينبغي ولا يتهيأ لنا أن نعود في ملتكم.

{ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا } وهذا الاستثناء على سبيل عذق الأمور جميعها بمشيئة الله تعالى وإرادته. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما تفعله الكفرة من القربات فلما قال لهم: إنا لا نعود في ملتكم، ثم خشي أن يتعبده الله بشىء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك، ويقول: هذه عودة إلى ملتنا، استثنى مشيئة الله تعالى فيما يمكن أن يتعبد به. " انتهى ". وهذا الاحتمال لا يصح لأن قوله: بعد إذ نجانا الله منها إنما يعني النجاة من الكفر والمعاصي لا من أعمال البر. وقيل: هذا الاستثناء إنما هو تسليم وتأدب. قال ابن عطية: ويقلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ولو كان الكلام إن شاء قوي هذا التأويل. " انتهى ". وليس يقوى هذا التأويل بل لا فرق بين إلا إن يشاء وبين إلا أن يشاء لأن انْ تخلّص الماضي للاستقبال كما تخلص ان المضارع للاستقبال فكلا الفعلين مستقبل.

السابقالتالي
2