الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } * { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية لما أخبر تعالى بوعيد الكفار أخبر بوعد المؤمنين. وخبر والذين الجملة من لا نكلف نفساً أي منهم أو الجملة من أولئك وما بعده وتكون جملة لا نكلف اعتراضاً بين المبتدأ والخبر. وفائدته أنه ذكر قوله: وعملوا الصالحات، نبه على أن ذلك العمل وسعهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم محلها يوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة.

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } الغل: الحقد والأحنة الخفية في النفس وجمعها غلال ومنه الغلول: أخذ الشىء في خفاء. ونزعنا أي أذهبنا في الجنة ما انطوت عليه صدورهم من الحقود ونزع الغل في الجنة أن لا يحسد بعضهم بعضاً في تفاضل منازلهم وكني بالصدر عن الشخص، والذي يظهر أن النزع للغل كناية عن خلقهم في الآخرة سالمي القلوب طاهريها متوادين متعاطفين كما قال:إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47]، وتجري حال، قاله الحوفي قال: والعامل فيه نزعنا. وقال أبو البقاء: حال والعامل فيها معنى الإِضافة، وكلا القولين لا يصح لأن تجري ليس من صفات الفاعل الذي هو ضمير نزعنا ولا من صفات المفعول الذي هو ما في صدورهم ولأن معنى الإِضافة لا يعمل إلا إذا كانت إضافة يمكن للمضاف أن يعمل إذا جرد من الإِضافة رفعاً ونصباً فيما بعده. والظاهر أنه خبر مستأنف عن صفة حالهم.

{ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا } أي وفقنا لتحصيل هذا النعيم الذي صرنا إليه بالإِيمان والعمل الصالح إذ هو نعمة عظيمة يجب عليهم بها حمده تعالى والثناء عليه.

{ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } قرىء: ما كنا وقرىء: وما كنا. ومعنى لنهتدي أي من ذوات أنفسنا.

{ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } وجواب لولا الجملة قبلها وهو وما كنا لنهتدي ولا ينكر تقديم جواب لولا عليها ألا ترى إلى قوله تعالى:إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } [القصص: 10]. وقوله:وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف: 24]. وإن كان الأكثر في لسان العرب تأخير جواب لولا كقوله تعالى:وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [النساء: 83] ما زكى. وان هدانا في موضع رفع بالابتداء تقديره لولا هداية الله إيانا.

{ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } أي لموعود الذي وعدونا في الدنيا قضوا بأن ذلك حق قضاء مشاهدة بالحس وكانوا في الدنيا يقضون بذلك قضاء استدلال.

{ وَنُودُوۤاْ } يحتمل أن يكون النداء من الله تعالى وهو أسر لقلوبهم وأرفع لقدرهم ويحتمل أن يكون من الملائكة وأن يحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة أي ونودوا بأنه تلكم الجنة واسمها ضمير الشأن يحذف إذا خففت. ويحتمل أن تكون ان مفسرة لوجود شرطيها وهما أن يكون قبلها جملة في معنى القول وبعدها جملة.

السابقالتالي
2 3