الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الآية، كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة، وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم دسماً، ولا ينالون من الطعام إلا قوتاً، تعظيماً لحجهم. فنزلت. والزينة فعلة من التزين وهو اسم ما يتجمل به من ثياب وغيرها، كقوله تعالى:وَٱزَّيَّنَتْ } [يونس: 24] أي بالنبات. والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة. وفي صحيح مسلم عن عروة أن العرب كانت تطوف عراة إلا الحُمْسُ، وهم قريش إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً فتعطى الرجالُ الرجالَ والنساءُ النساءَ. وفي غير مسلم: من لم يكن له صديق بمكة يعيره ثوباً طاف عرياناً أو في ثيابه وألقاها بعد ذلك فلا يمسها أحد، وتسمى اللقاء. وقال بعضهم في ذلك:
كفى حزناً كدى عليه كأنه   لقى بين أيدي الطائفين حريم
" فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه: يا بني آدم خذوا زينتكم، أذّن مؤذنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ".

{ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } الظاهر أنه أمر بإِباحة الأكل والشرب من كل ما يمكن أن يؤكل ويشرب مما لم يخطر أكله وشربه في الشريعة. وإن كان النزول على سبب خاص كما ذكروا من امتناع المشركين من أكل اللحم والدسم أيام إحرامهم، والنهي عن الإِسراف يدل على التحريم لقوله تعالى: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }. والظاهر تعلق الإِسراف بالأكل والشرب كما يوجد للمحترفين في الدنيا من مغالاة التأنق في الأكل بحيث يغرم على الدجاجة الواحدة نحو من عشرين درهماً، وكما يغرم على الرطل من الحلوى نحو من أربعين درهماً، ولقد شاهدنا بعض أكابرهم رسم بأن يعمل له خميرة ورد في مئين من القناني في كل قنينة أربع أواق فقيل له: الورد كما دخل وهو غال، فقال: أليس موجوداً؟ فقيل له: نعم. فقال: كل موجود ليس بغال. وكما بلغنا عن بعض الناس أنه كان يأكل الفستق مقشوراً بالسكر النبات في القطايف، وقد سئل عن حال من يأكل قشور الموز من الجوع والفقر فقال ذلك الآكل: كلنا فقراء. وأما تأنقهم في الأواني الصينية وفعالاتهم في أثمانها فكثير، ويسألون درهماً لفقير فلا يبورن به.

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } هي ما حسنته الشريعة وقررته مما يتجمل به الناس من الثياب وغيرها. وأضيفت إلى الله تعالى لأنه هو الذي أباحها. والطيبات: هي المستلذات من المأكول والمشروب بطريقه وهو الحل، ومعنى الاستفهام إنكار تحريم هذه الأشياء وتوبيخ محرميها. وقد كانوا يحرمون أشياء من لحوم الطيبات وألبانها. والاستفهام إذا تضمن الإِنكار لا جواب له.

ومعنى: { أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } أي أبرزها وأظهرها وفصّل حلالها من حرامها.

السابقالتالي
2