الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } * { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } الآية مناسبتها لما قبلها، هو أنه تعالى ذكر قصة آدم وفيها ستر السوآت وجعل في الأرض له مستقراً ومتاعاً، ذكر ما امتن به على نبيه وما أنعم به عليهم من اللباس الذي يواري السوآت والرياش الذي يمكن به استقرارهم في الأرض واستمتاعهم بما حولهم.

{ قَدْ أَنزَلْنَا } إلإِنزال مجاز من باب إطلاق السبب على مسببه فأنزل المطر وهو سبب ما يتهيأ به اللباس، واللباس يعم جميع ما يلبس ويستر. والريش معروف، وهو هنا عبارة عن سعة الرزق ورفاهة العيش والتمتع. وقال الزمخشري: لباس الزينة استعير من ريش الطائر، لأنه لباسه وزينته، أي أنزلنا عليكم لباسين لباساً يواري سوآتكم، ولباساً يزينكم لأن الزينة غرض صحيح. وكما قال تعالى:لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [النحل: 8]، ولكم فيها جمال. " انتهى ". ويحسّنه قوله تعالى:حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } [النحل: 14، فاطر: 12] وقرىء: ولباس بالنصب عطفاً على ما قبله. وقرىء: بالرفع وهو مبتدأ وذلك خبر مبتدأ وخير خبر عن قوله: ولباس، والرابط بينهما إسم الإِشارة كا يربط المضمر. وكأنه قال ولباس التقوى هو خبر.

والإِشارة بقوله: { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } إلى ما تقدم من إنزال اللباس والرياش ولباس التقوى. والمعنى من آيات الله الدالة على فضله ورحمته على عباده.

{ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } هذه النعم فيشكرون الله تعالى عليها.

{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } أي لا يستهوينكم ويغلب عليكم، وهو نهي للشيطان. والمعنى نهيهم أنفسهم عن الإصغاء إليه والطواعية لأمره، كما قالوا: لا أرَيَنّك ها هنا، ومعناه النهي عن الإِقامة بحيث يراه.

و { كَمَآ } في موضع نصب أي فتنة، مثل فتنة إخراج أبويكم من الجنة.

و { يَنزِعُ } حال من الضمير في أخرج أو من أبويكم لأن الجملة فيها ضمير الشيطان وضمير الأبوين ونسب النزع والإِراءة إلى الشيطان لما كان متسبباً فيه.

{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } قال الزمخشري: الضمير في أنه يراكم ضمير الشأن والحديث. " انتهى " ولا ضرورة تدعو إلى هذا بل الظاهر أنه ضمير عائد على الشيطان وهو إبليس يبصركم هو وجنوده من الجهة التي لا تبصرونه منها وهم أجسام لطيفة معلوم من هذه الشريعة، وجودهم، كما أن الملائكة أيضاً معلوم وجودهم من هذا الشريعة، ولا يستنكر وجود أجسام لطيفة جداً لا نراها نحن. ألا ترى أن الهواء جسم لطيف لا ندركه نحن وقد قام البرهان العقلي القاطع على وجوده وقد صح تصورهم في الأجسام الكثيفة. ورؤية بني آدم لهم في الأجسام كالشيطان الذي رآه أبو هريرة حين جعل يحفظ تمر الصدقة، والعفريت الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه: " لولا دعوة أخي سليمان لربطته إلى سارية من سواري المسجد "

السابقالتالي
2