الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } * { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } * { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } الآية هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وهم جميع أمته وهي أمر بجميع مكارم الأخلاق وقد أمر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: " يسرو ولا تعسروا " وقال حاتم الطائي:
خذي العفو مني تستديمي مودتي   ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
{ وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ } أي ينخسنك بأن يحملك بوسوسته على ما لا يليق فاطلب العياذ بالله منه وهي اللواذ والاستجارة. قيل: لما نزلت خذ العفو الآية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف والغضب " فنزلت وأما ينزغنك، وإن شرطية، وما زائدة، ونزغ هو الفاعل، وهو مصدر يراد به اسم الفاعل أي نازغ وهذا التركيب جاء في القرآن كثيراً بزيادة ما وبنون التوكيد كقوله تعالى: واما تخافن، فاما تذهبن، واما نرينك، وختم بهاتين الصفتين لأن الإستعاذة تكون باللسان ولا تجدي إلا باستحضار معناها فالمعنى سميع للأقوال عليم بما في الضمائر.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الآية قال ابن عطية وقال الكسائي: الطيف اللمم والطائف ما طاف حول الإِنسان وكيف هذا، وقد قال الأعشى:
وتصبح عن غب السرى وكأنها   ألم بها من طائف الجن أولت
انتهى. لا تتعجب من تفسير الكسائي الطائف بما طاف حول الإِنسان بهذا البيت لأنه يصح فيه معنى ما قاله الكسائي لأنه ان كان تعجبه وإنكاره من حيث خصوص الإِنسان فالذي قاله الأعشى تشبيه لأنه قال: كأنها، وإن كان تعجبه من حيث فسر بأنه ما طاف حول الإِنسان، فطائف الجن يصح أن يقال: هو طائف حول الإِنسان، وشبه هو الناقة في سرعتها ونشاطها وقطعها الفيافي في عجلة بحالتها إذا ألم بها أولق من طائف الجن. وقرىء: طيف مخففاً من طيف كما قالوا: ميت في ميت، والنزغ من الشيطان أخف من مس الطائف من الشيطان، لأن النغز أدنى حركة. والمس: الإِصابة، والطائف: ما يطوف به ويدور عليه، فهو أبلغ لا محالة فحال المتيقن في ذلك غير حال الرسول. وانظر لحسن هذا البيان حيث كان الكلام للرسول كان الشرط بلفظ أن المحتملة للوقوع ولعدمه وحيث كان الكلام للمتقين كان المجيء بإِذا الموضوعة للتحقق أو للترجيح، وعلى هذا فالنزغ يمكن أن يقع ويمكن أن لا يقع والمس واقع لا محالة أو مرجح وقوعه هو إلصاق البشرة بالبشرة وهو هنا استعارة. وفي تلك الجملة أمر هو صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة، وهنا جاءت الجملة خبرية في ضمنها الشرط وجاء الخبر تذكروا فدل على تمكن حسّ الطائف حتى حصل نسيان فتذكروا ما نسوه والمعنى تذكروا ما أمر به تعالى، وما نهى عنه وبنفس التذكر حصل إبصارهم وفاجأهم إبصار الحق والسداد فاتبعوه وطردوا عنهم مسّ الطائف واتقوا عامة في كل ما يتقى.

السابقالتالي
2 3