الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ } إن كان الاتخاذ بمعنى اتخاذه إلهاً معبوداً فصح نسبته إلى القوم وذكر أنهم كلهم عبدوه غير هارون ولذلك قال: رب اغفر لي ولأخي. فقيل: إنما عبده قوم منهم لا جميعهم، لقوله:وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 159]، وإن كان بمعنى العمل كقوله تعالى:كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } [العنكبوت: 41]، أي عملت وصنعت. فالمتخذ إنما هو السامري واسمه موسى بن ظفر من قرية تسمى سامرة ونسب ذلك إلى قوم موسى مجازاً كما قالوا بنو تميم قتلوا فلاناً وإنما قتله واحد منهم ولكونهم راضين بذلك.

ومعنى: { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد مضيه للمناجاة.

و { مِنْ حُلِيِّهِمْ } متعلق باتخذو بها يتعلق بمن بعده وإن كانا حرفي جر بلفظ واحد وجاز ذلك لاختلاف مدلوليهما لأن من الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض. وقرىء: من حُليّهم مفرداً ومن حليهم جمعاً وأصله حلوى على وزن فعول فاجتمعت واو وياء وأدغمت فيها ثم كسر ما قبلها لنصح الياء ثم أتبعت حركة الماء لحركة اللام فقيل: حلى، كما قالوا: عصى. والعجل ولد البقرة القريب الولادة.

ومعنى: { جَسَداً } جثة جماداً ليس مصوراً بالخط في حائط ولا رقماً في ثوب وكان ذلك بسبب ما كان تقدم من أنهم مروا بقوم يعبدون البقر فقالوا تلك المقالة الشنيعة.

{ لَّهُ خُوَارٌ } ظاهره أنه قامت به الحياة ولذلك كان له خوار. وقيل: ولما صنعه السامري أجوف تحيل لتصويته بأن جعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص وجعله في مهب الرياح فتدخل في تلك الأنابيب فيظهر له صوت يشبه الخوار فإِذا خار سجدوا وإذا سكت رفعوا.

{ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } إن كان اتخذ بمعنى عمل وصنع فلا بد من تقدير محذوف يترتب عليه هذا الإِنكار وهو فعبدوه وجعلوه إلهاً لهم وإن كان المحذوف إلهاً أي اتخذوا عجلاً جسداً له خوار إلهاً فلا يحتاج إلى حذف جملة، وهذا استفهام إنكار حيث عبدوا جماداً أو حيواناً عاجزاً عليه آثار الصنعة لا يمكن أن يتكلم ولا يهدي. وقد ركز في العقول أن من كان بهذه المثابة استحال أن يكون إلهاً وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمى الاحتجاج النظري وبعضهم يسميه المذهب الكلامي. والظاهر أن يروا بمعنى يعلموا وسلب تعالى عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإِلهية لأن انتفاء التكليم يستلزم انتفاء العلم وانتفاء الهداية إلى سبيل يستلزم انتفاء القدرة وانتفاء هذين الوصفين وهما العلم والقدرة يستلزمان انتفاء باقي الأوصاف فلذلك خص هذان الوصفان بانتفائهما.

{ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } أي أقدموا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع وكانوا واضعين الشىء في غير موضعه أي من شأنهم الظلم فليسوا مبتكرين وضع الشىء في غير موضعه.

السابقالتالي
2