الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } * { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ } الآية، لما قال موسى عليه السلام:عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } [الأعراف: 129] كان كما ترجى عليه السلام فأغرق أعداءهم في اليم واستخلف بني إسرائيل في الأرض.

و { ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } هم بنو إسرائيل كان فرعون يستعبدهم ويستخدمهم وفي الكلام حذف مضاف تقديره وأورثنا ذرية القوم لأن القوم المستضعفين لم يعودوا إلى ديار مصر بأعيانهم إذ كانوا جاوزوا البحر وأقاموا بالأرض المقدسة وإنما ورث مصر ذريتهم ومنهم سليمان بن داود.

و { مَشَارِقَ } منصوب على أنه مفعول ثان لأورثنا. وجعلت مشارق ومغارب مبالغة في كثرة بركتها.

{ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ } أي مضت واستمرت من قولهم تم على الأمر إذا مضى عليه.

{ بِمَا صَبَرُواْ } الباء سببية وما مصدرية أي بصبرهم.

{ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } أي خربنا قصورهم وأبنيتهم والتدمير الإِهلاك وإخراب الأبنية.

{ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } أي يرفعونه من الأبنية المشيدة كصرح هامان وغيره.

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ } لما بين أنواع نعمه على بني إسرائيل بإِهلاك عدوهم اتبع بالنعمة العظمى من إراءتهم هذه الآية العظيمة وقطعهم البحر مع السلامة والبحر بحر القلزم. ومعنى جاوزنا قطعنا بهم البحر. يقال: جاوز الوادي، إذا قطعه. والباء للتعدية، يقال: جاوز البحر إذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبرية، وكأنه قال: وخبرنا ببني إسرائيل أي أجزناهم البحر وفاعل بمعنى فعل المجرد يقال جاوز وجاز بمعنى واحد.

{ فَأَتَوْاْ } أي مروا.

{ عَلَىٰ قَوْمٍ } هم من بني لحم وجذام.

{ يَعْكُفُونَ } أي يقيمون.

{ عَلَىٰ أَصْنَامٍ } أي على عبادة أصنام.

{ لَّهُمْ } والأصنام قيل: هي البقر حقيقة، وقيل: تماثيل من حجر وعيدان على صور البقر.

{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً } الظاهر أن طلب مثل هذا كفر وارتداد وشقاق وعناد خرجوا في ذلك على عادتهم في تعنتهم على أنبيائهم وطلبهم ما لا ينبغي. وقد تقدم من كلامهملَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة: 55] وغير ذلك مما هو كفر، وربما كان القول من بعضهم فنسب إلى جميعهم.

{ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } تعجب موسى عليه السلام من قولهم على أثر ما رأوا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ووصفهم بالجهل المطلق وأكده بأنّ لأنه لا جهل أعظم من هذه المقالة ولا أشنع وأتى بلفظ تجهلون ولم يقل جهلتم إشعاراً بأن ذلك منهم كالطبع والغريزة لا ينتقلون عنه في ماض ولا مستقبل.

{ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } الإشارة بهؤلاء إلى العاكفين على عبادة تلك الأصنام ومعنى قبر مهلك مدمّر مكسر وأصله الكسر. قال الزمخشري: وفي إيقاع هؤلاء إسماً لأنّ، وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبر إلهاً واسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرّضون للتبار وأنه لا يعدوهم البتة وأنه لهم ضربة لازم ليحذرهم عاقبة ما طلبوا ويبغض لهم ما أحبوا.

السابقالتالي
2