الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ } الآية لما قص الله تعالى على نبيه أخبار الأمم وما آل إليه أمر قومهم وكان هؤلاء لم يبق منهم أحد أتبع بقصص موسى وفرعون وبني إسرائيل إذ كانت معجزاته من أعظم المعجزات وأمته من أكثر الأمم تعنتاً واقتراحاً وكان قد بقي منهم عالم وهم اليهود فقص تعالى قصصهم لنعتبر وننزجر أن نشبّه بهم. ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنّ بين موسى وشعيب عليهما السلام مصاهرة كما حكى الله تعالى في كتابه ونسباً لكونهما من نسل إبراهيم عليه السلام ولما استفتح قصة نوح بأرسلنا بنون العظمة أتبع ذلك بقصة موسى فقال: ثم بعثنا، والضمير في من بعدهم عائد على الرسل. وفي قوله:وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ } [الأعراف: 101]، وتعدية فظلموا بالباء على سبيل التضمين بمعنى كفروا.

{ وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } هذه محاورة من موسى لفرعون وخطاب له بأحسن ما يدعي به وأحبّها إليه إذ كان من ملك مصر يقال له: فرعون، كنمرود في يونان، وقيصر في الروم، وكسرى في فارس، والنجاشي في الحبشة، وعلى هذا لا يكون فرعون وأمثاله علماً شخصياً بل يكون علم جنس كأسامة وثعالة ولما كان فرعون قد ادعى الربوبية فاتحه موسى عليه السلام بقوله: إني رسول من رب العالمين، لينبهه على الوصف الذي ادعاه وأنه فيه مبطل لا محق.

ولما كان قوله:

{ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } دعوى أردفها بما يدل على صحتها وهو قوله: قد جئتكم ببينة. ولما قرر رسالة فرع عليها تبليغ الحكم وهو قوله: فأرسل، ولم ينازعه فرعون في هذه السورة في شىء مما ذكره موسى عليه السلام إلا أنه طلب المعجز، ودل ذلك على موافقته لموسى وأن الرسالة ممكنة لإِمكان المعجزة إذ لم يدفع إمكانها، بل قال: إن كنت جئت بآية. ومعنى حقيق جدير، وخليف وارتفاعه على أن صفة لرسول أو خبر بعد خبر. وان لا أقول الأحسن فيه أن يكون فاعلاً بحقيق كأنه قيل: يحق علي كذا ويجب ويجوز أن يكون أن لا أقول كأنه مبتدأ وحقيق خبره. وقال الزمخشري في القراءة المشهورة وهي قوله: عليّ أن لا أقول أشكال ولا يخلو من وجوه أحدها أن يكون مما يقلب من الكلام لا من الإِلباس كقول الشاعر:
وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر   
ومعناه وتشقى الضياطرة بالرماح.

انتهى هذا الوجه وأصحابنا يخصون القلب بالشعر ولا يجيزونه في فصيح الكلام فينبغي أن ينزه القرآن عنه وعلى هذا يصير معنى هذه القراءة معنى قراءة نافع. قال الزمخشري: والثاني ان ما لزمك فقد لزمته فلما كان قول الحق حقيقاً عليه كان هو حقيقاً على قول الحق أي لازماً له.

السابقالتالي
2 3