{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } قال ابن عباس: قال النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خالد: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسوله. " انتهى ". والظاهر أن قوله: وقالوا استئناف اخبار من الله تعالى حكي عنهم أنهم قالوا ذلك، ويحتمل أن يكون عطوفاً على جواب لو، أي لقال الذين كفروا، ولقالوا: لولا أنزل عليه ملك. ولولا بمعنى هلا للتحضيض. { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً } قال ابن عباس وغيره: في الكلام حذف تقديره ولو أنزلنا ملكاً فكذبوه لقضي الأمر بعذابهم ولم يؤخروا حسب ما في كل أمة اقترحت آية وكذبت بها بعد ظهورها. { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً } أي ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون لولا أنزل على محمد ملك، وتارة يقولون: ما هذا إلا بشر مثلكم. ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة. ومعنى لجعلناه رجلاً أي لصيّرناه في صورة رجل كما كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غالب الأحوال في صورة دِحْية، وكما تمثل لمريم في صورة بشر، وكما في حديث سؤال جبريل عليه السلام بحيث رآه الصحابة في صورة رجل يسأل عن الإِسلام والإِيمان والإِحسان. وللبسنا أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذٍ بأنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان هذا إنسان وليس بملك. { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يلقى من قومه وتأسَّ بمن سبق من الرسل. وقالت الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن
أسلي النفس عنه بالتأسي
{ فَحَاقَ } يقال: حاق يحيق حيقاً وحيوقاً وحيقاناً، أي أحاط. ومعنى سخروا استهزؤا إلا أن استهزأ تعدى بالباء وسخر بمن كما قال{ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } [هود: 38]. وبالباء تقول سخرت به، وكان اللفظ سخروا وإن كان معناه استهزوا لئلا يكثر في الجملة الواحدة لفظ الاستهزاء إذ أوله ولقد استهزىء وآخره يستهزؤون فكان سخروا أفصح. { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } الآية، لما ذكر تعالى ما حل بالمكذبين المستهزئين وكان المخاطبون بذلك أمة أمية لم تدرس الكتب ولم تجالس العلماء فلها أن تكابر في الاخبار بهلاك من أهلك بذنوبهم أمروا بالسير في الأرض والنظر في ما حل بالمكذبين ليعتبروا بذلك ويتظافر مع الاخبار الصادق الحس فللرؤية من مزيد الاعتبار ما لا يكون في الاخبار كما قال بعض العصريين:
لطائف معنى في العيان لم تكن
لتدرك إلا بالتزاور واللقا
والظاهر أن السير المأمور به هو الانتقال من مكان إلى مكان وان النظر المأمور به هو نظر العين، وان الأرض هي ما قرب من بلاؤهم من ديار المهلكين بذنوبهم كأرض عاد ومدين ومدائن قوم لوط وثمود.