الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ } أي إنما يستجيب للإِيمان.

{ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } سماع قبول وإصغاء، كما قال:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } [الزمر: 21، ق: 37]، ويستجيب بمعنى يجيب. وفرق الرماني بين أجاب واستجاب بأن استجاب فيه قبول لما دعي ويستجيب جاء معدي باللام كقوله تعالى:فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } [البقرة: 186]. وفَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } [آل عمران: 195]. وجاء معدّاً بنفسه للمفعول. قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا   فلم يستجبه عند ذاك مجيب
{ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } الظاهر أن هذه جملة مستقلة من مبتدأ وخبر. والظاهر أن الموت هنا والبعث حقيقة وذلك إخبار منه تعالى أن الموتى على العموم من مستجيب وغير مستجيب يبعثهم الله تعالى فيجازيهم على أعمالهم. وقيل: الموت والبعث مجازان استعير الموت للكفر والإِيمان والبعث. وقيل: الجملة من قوله: والموتى يبعثهم الله، مبتدأ وخبر أي والموتى بالكفر يحييهم الله بالإِيمان.

{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ } الآية، قال ابن عباس: نزلت في رؤساء قريش سألوا الرسول آية تعنتاً منهم وإلا فقد جاءهم بآيات كثيرة فيها مقنع. " انتهى ".

{ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ } أي إن ما سألتموه من إنزال آية، الله قادر على ذلك، كما أنزل الآيات السابقة فلا فرق في تعلق القدرة بالآيات المقترحة على سبيل التعنت والآيات التي لم تقترح وقد اقترحتم آيات كانشقاق القمر فلم يجد عنكم ولا أثرت فيكم وقلتم هذا سحر مستمر.

{ لاَ يَعْلَمُونَ } قدرته على إنزال الآيات.

{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } تقدم الكلام عليها وهي هنا في سياق النفي مصحوبة بمن التي تفيد استغراق الجنس فهي عامة تشمل كل ما يدب فيندرج فيها الطائر فذكر الطائر بعد ذكر دابة تخصيص بعد تعميم وذكر بعض من كل وصار من باب التجريد كقوله تعالى:وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [البقرة: 98]، بعد ذكر الملائكة، وإنما جرد الطائر لأن تصرفه في الجوّ دون تصرف غيره من الحيوان أبلغ في القدرة وأول على عظمها من تصرف غيره من الحيوان في الأرض إذ الأرض جسم كثيف يمكن تصرف الأجرام عليها والهواء جسم لطيف لا يمكن عادة تصرف الأجرام الكثيفة فيها إلا بباهر القدرة الإِلهية ولذلك قال تعالى:أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ } [النحل: 79]، الآية، وجاء قوله في الأرض إشارة إلى تعميم جميع الأماكن لما كان لفظ: من دابة، وهو المتصرف أي المتصرف فيه عاماً وهو الأرض ويشمل الأرض البر والبحر ويطير بجناحيه تأكيد لقوله: ولا طائر، لأنه لا طائر إلا يطير بجناحيه. وليرفع المجاز الذي كان يحتمله قوله: ولا طائر، ولو اقتصر عليه ألا ترى إلى استعارة الطائر للعمل في قوله:وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [الإسراء: 13]. وقولهم: طار لفلان طائر كذا في القسمة، أي سهمه.

السابقالتالي
2