الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ }

{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ } الآية، قيل: نزلت في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف فإٍِنه كان يكذب في العلانية ويصدق في السر، ويقول: يخاف أن تتخطفنا العرب ونحن أكلة رأس. وقيل: نزلت في الأخنس بن شريق قال لأبي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإِنه ليس عندنا أحد غيرنا. فقال له: والله ان محمد الصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت. قد نعلم عبر هنا بالمضارع عن الماضي لأن علم الله لا يتجدد وهي هنا معلقة وأنه والجملة بعدها في موضع مفعوليْ نعلم ويقولون أي بألسنتهم.

و { لاَ يُكَذِّبُونَكَ } أي ببواطنهم بل يعتقدون صدقك. وقرىء لا يكذبونك أي لا يجدونك تكذب، تقول: أكذبته أي وجدته يكذب لأن أفعل تأتي للوجدان كقولهم: أحمدته أي وجدته محموداً. وقرىء لا يكذبونك بالتشديد أي لا يعتقدون كذبك.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ } نبه على الوصف المؤدي بهم إلى جحود الآيات وهو الظلم.

{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } الآية، تسلية له صلى الله عليه وسلم ولما سلاه تعالى بأنهم بتكذيبك إنما كذبوا الله، سلاه ثانياً بأن عادة أتباع الرسل قبلك تكذيب رسلهم وان الرسل صبروا فتأس بهم في الصبر.

{ وَأُوذُواْ } يحتمل أن يكون معطوفاً على قوله: كذبت، ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله: فصبروا.

{ وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } أي لمواعيده في نصر رسله، نحو قوله:وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا } [الصافات: 171]، الآية.

{ مِن نَّبَإِ } قال الفارسي: من زائدة، وفاعل جاء نبأ بعد من وهو نبأ المرسلين والذي يظهر أن الفاعل مضمر تقديره هو ويعود على ما دل عليه المعنى من الجملة السابقة أي ولقد جاءك هذا الخبر من تكذيب أتباع الرسل للرسل والصبر والإِيذاء إلى أن نصروا، وأن هذا الاخبار هو بعض نبأ المرسلين الذين تتأسى بهم. ومن نبأ في موضع الحال، وذو الحال ذلك المضمر.

{ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } وكبر أي شق وصعب إعراضهم عن الإِيمان وعن اتباع ما جئت به، فإِن شرط ثان وإن تخلص الماضي للإِستقبال، وكبر أعراضهم واقع ماض لكن يتأول على معنى الاستقبال، أي وأن يتبين كبر أعراضهم والتبين مستقبل والاستطاعة مستقبلة فصار عطف مستقبل على مستقبل وهو البيتين. والنفق: السرب في داخل الأرض الذي يتواى فيه. وقرأ نبيح الغنوي أن تبتغي نافقاً وهو في اللغة أحد حجرة اليربوع. قال الشاعر:
ويستخرج اليربوع من نافقاته   ومن حجره بالشبحة اليتقصع
والسلم الذي يصعد عليه ويرتقي. ومعنى الآية أنك لا تستطيع ذلك والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم.

السابقالتالي
2