الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } * { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } * { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } الآية، لما تقدم ما يدل على القدرة التامة والاختيار ذكر ما يدل على العلم التام فكان في التنبيه على هذه الأوصاف دلالة على كونه تعالى قادراً مختاراً عالماً بالكليات والجزئيات وابطالاً لشبه منكري المعاد قيل: هو ضمير الشأن وما بعده مبتدأ خبره وهو علم تضمن معنى المعبود، وفي السماوات وفي الأرض متعلق به، والاسم العلم قد تضمَّن معنى المشتق فيعمل فيما بعده كما قال الشاعر:
أنا أبو المنهال بعض الأحيان   
فضمن أبو المنهال معنى المشهور فلذلك نصب بعض الأحيان، وبعض ظرف زمان لإِضافته لظرف زمان. وقال: نحواً من هذا الزمخشري وابن عطية.

{ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } عام لجميع الاعتقادات والأقوال والأفعال وكسب كل إنسان عمله المفضي به إلى اجتلاب نفع أو دفع ضر ولهذا لا يوصف به الله تعالى.

{ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ } الآية من الأولى زائدة تدل على الاستغراق وآية فاعل بتأتيهم ومن الثانية في موضع الصفة للتبعيض تقديره من آية كائنة من آيات ربهم، أي تلك الآية بعض آيات الله تعالى والمراد بآية، والآية علامة تدل على الوحدانية وانفراده بالألوهية والرسالة والمعجز الخارق والقرآن. وفي تأتيهم التفات وهو خروج من خطاب في قوله: يعلم بسركم إلى غيبة في تأتيهم، والرب هو المالك المصلح الناظر في مصالح عباده فكان المناسب أن لا يعرضوا عن آيات مالكهم ومصلحهم وكانوا بعد إلا في موضع نصب على الحال ولم يجيء في القرآن هذه الحال بعد إلاّ إلا بلفظ الماضي. وقد جاءت في كلام العرب مصحوبة بقد. قال الشاعر:
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة   لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
قال الزمخشري: يعني ما يظهر لهم قط دليل من الأدلة التي يجب فيها النظر والإِستدلال والاعتبار إلا كانوا عنه معرضين. " انتهى ". واستعمال الزمخشري قط مع المضارع في قوله: وما يظهر لهم قط دليل ليس بجيد، لأن قط ظرف مختص بالماضي إلا ان كان أراد بقوله: وما يظهر وما ظهر، ولا حاجة إلى استعمال ذلك. ومعنى عنها أي عن قبولها أو سماعها والإِعراض ضد الإِقبال وهو مجاز إذ حقيقته في الأجسام.

{ فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } كذب فعل متعد إلى مفعول بنفسه كقوله:وَإِن يُكَذِّبُوكَ } [الحج: 42] وجاء هنا متعدياً بالباء كما في قوله:يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } [الماعون: 1]. وقوله:وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ } [الأنعام: 66]، ضمن معنى الاستهزاء فتعدى بالباء والحق عام في القرآن والإِسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والوعد والوعيد. والفاء في قوله: فقد كذبوا للتعقيب وان إعراضهم عن الآية أعقبه التكذيب. وقال الزمخشري: فقد كذبوا مردود على كلام محذوف كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها، وهو الحق لما جاءهم يعني القرآن الذي تحدوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه.

السابقالتالي
2