الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } * { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

{ وَمَنْ أَظْلَمُ } الآية تقدم الكلام عليها، والإِفتراء: الاختلاق، والمعنى لا أحد أظلم ممن كذب على الله أو كذب بآيات الله، جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح حيث قالوا:لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [الأنعام: 148]، وقالوا:وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف: 28]، وقالوا: الملائكة بنات الله؛ وهؤلاء شفعاؤنا عند الله. ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحراً، ولم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومعنى: { لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } أي لا يظفرون بمطالبهم في الدنيا والآخرة بل يبقون في الحرمان والخذلان. ونفي الفلاح عن الظالم فدخل فيه الأظلم. والظالم غير الأظلم، وإذا كان هذا لا يفلح فكيف يفلح الأظلم.

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } الناصب ليوم فيه أقوال ذكرت في البحر، أحدها أنه مفعول لأذكر محذوفة على أنه مفعول به وهو خطاب للسامع، والثاني لمحذوف متأخر تقديره ويوم نحشرهم كان كيت وكيت فترك ليبقى على الإِبهام الذي هو أدخل في التخويف. والضمير المنصوب في نحشرهم عام في العالم كلهم وعطف بثم للتراخي الحاصل بين مقامات يوم القيامة في المواقف فإِن فيه مواقف بين كل موقف وموقف تراخ على حسب طول ذلك اليوم.

و { لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } عام في المشركين.

و { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ } سؤال توبيخ وتقريع. وظاهر مدلول أين شركاؤكم غيبة الشركاء عنهم أي تلك الأصنام قد اضمحلت فلا وجود لها وأضيف الشركاء إليهم لأنه لا شركة في الحقيقة بين الأصنام وبين شىء وإنما أوقع عليها اسم الشريك بمجرد تسمية الكفرة لها شركاء فأضيفت إليهم بهذه النسبة والزعم والقول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر الكلام. وقد يطلق على مجرد القول ومن ذلك قول سيبويه في كتابه: وزعم الخليل، أي قال: والذين موصول صلته كنتم تزعمون والعائد عليه محذوف تقديره كنتم تزعمونهم شركاء.

{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } تقدم مدلول الفتنة وشرحت هنا بحب الشىء والإِعجاب به كما تقول: فتنت بزيد، فعلى هذا يكون المعنى ثم لم يكن حبّهم للأصنام وإعجابهم بها واتباعهم لها لما سئلوا عنها ووقفوا على عجزها إلا التبرؤ منها والإِنكار لها وفي هذا توبيخ لهم وثم لم تكن فتنتهم فيه قراءات الجاري منها على الأشهر، ثم لم يكن بالياء فتنتهم بالنصب.

{ إِلاَّ أَن قَالُواْ } إن مع ما بعدها أجريت في التعريف مجرى الضمير وإذا اجتمع الأعرف وما دونه في التعريف فذكروا أن الأشهر جعل الأعرف هو الاسم وما دونه الخبر، ولذلك أجمعت السبعة على ذلك في قوله:فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } [النمل: 56] ومَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [الجاثية: 25]. ومن قرأ بالياء ورفع الفتنة فذكر الفعل لكون تأنيث الفتنة مجازياً.

السابقالتالي
2 3