الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَمِنَ ٱلإِبْلِ } الآية الإِبل الجمال للواحد والجمع، ويجمع على إبال، وتأبّل الرجل: اتخذ إبلاً. وقولهم: ما أبل الرجل في التعجب شاذ، وقدم الإِبل على البقر لأنها أغلى ثمناً وأغنى نفعاً في الرحلة وحمل الأثقال عليها واصبر على الجوع والعطش وأطوع وأكثر انقياداً في الإِناخة والإِشارة.

{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ } انتقل من توبيخهم في نفي علمهم بذلك إلى توبيخهم في نفي شهادتهم. وذلك وقت توصية الله إياهم بذلك لأن مدرك الأشياء المعقول والمحسوس، فإِذا انتفيا فكيف يحكم بتحليل أو بتحريم.

{ فَمَنْ أَظْلَمُ } الآية، أي لا أحد أظلم.

{ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فنسب إليه تحريم ما لم يحرمه تعالى فلم يقتصر على افتراء الكذب في حق نفسه وضلالها حتى قصد بذلك ضلال غيره فسن هذه السنة الشنعاء. وغايته بها إضلال الناس فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ } نفي هداية من وجد منه الظلم. فكان من فيه الأظلميّة أولى بأن لا يهديه. وهذا عموم في الظاهر وقد تبين تخصيصه بما يقتضيه الشرع.

{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ } الآية، لما ذكر أنهم حرموا ما حرموا افتراء على الله، أمره تعالى أن يخبرهم بأن مدرك التحريم إنما هو بالوحي من الله تعالى وبشرعه لا بما تهوى الأنفس وما تختلقه على الله تعالى. وجاء الترتيب هنا كالترتيب الذي في البقرة والمائدة وجاءت هنا هذه المحرمات منكرة والدم موصوفاً بقوله: مسفوحاً. والفسق موصوفاً بقوله: أهل لغير الله به. وفي تينك السورتين معرفاً لأن هذه السورة مكية فعلّق بالمنكر وتانك السورتان مدنيتان، فجاءت تلك الأسماء معارف بالعهد وحوالة على ما سبق تنزيله في هذه السورة.

و { إِلاَّ أَن يَكُونَ } استثناء منقطع لأنه كون والمحرم عين من الأعيان. ويجوز أن يكون بدلاً على لغة بني تميم، ونصباً على لغة الحجاز، كقوله تعالى:مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } [النساء: 157] لأن اتباع الظن ليس بعلم فهو استثناء منقطع، واسم كان ضمير مذكر يعود على محرم تقديره إلا أن يكون المحرم ميتة. ومعنى مسفوحاً، أي مصبوباً سائلاً كالدم في العروق لا كالطحال والكبد. وقد رخص في دم العروق بعد الذبح. وقيل لأبي مجلز القدر تعلوه الحمرة من الدم، فقال: إنما حرم الله تعالى المسفوح. وفي قوله: أو دماً مسفوحاً، دلالة على أن دم البق والبراغيث والذباب ليس بنجس لأنه ليس بمسفوح. والظاهر أن الضمير في فإِنه عائد على لحم الخنزير. وزعم أبو محمد بن حزم أنه عائد على خنزير فإِنه أقرب مذكور. وإذا احتمل الضمير العود إلى شيئين كان عوده على الأقرب أرجح، وعورض بأن المحدّث عنه إنما هو اللحم.

السابقالتالي
2