الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ }

{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً } روي عن ابن عباس وغيره أن العرب كانت تجعل من غلاتها وزروعها وأثمارها وأنعامها جزأً تسميه لله تعالى، وجزأ تسميه لأصنامها، وكانت عادتها أن تبالغ وتجتهد في إخراج نصيب الأصنام أكثر منها في نصيب الله تعالى إذ كانوا يعتقدون أن الأصنام بها فقر، وليس ذلك بالله تعالى. فكانوا إذا جمعوا الزرع فهبت الريح فحملت من الذي لله إلى ذلك لشركائهم تركوه ولم يردوه إلى نصيب الله ويفعلون عكس هذا وإذا تفجّر من سقى ما جعلوه لله تعالى في نصيب شركائهم تركوه وبالعكس سدوه وإذا لم ينجح شىء من نصيب آلهتهم جعلوا نصيب الله تعالى لها، وكذا في الانعام وإذا أجدبوا أكلوا نصيب الله وتركوا نصيبها. لما ذكر تعالى قبح طريقة مشركي العرب في إنكارهم البعث ذكر أنواعاً من جعالتهم تنبيهاً على ضعف عقولهم. وفي قوله تعالى: { مِمَّا ذَرَأَ } ، أنه تعالى كان أولى أن يجعل له الأحسن والأجود، وأن يكون جانبه تعالى هو الأرجح إذ كان تعالى هو الموجد لما جعلوا منه نصيباً له، والقادر على تنميته دون أصنامهم العاجزة عما يحل بها فضلاً عن أن تخلق شيئاً أو تنميه.

{ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } هذا ذم بالغ عام لأحكامهم فيدخل فيه حكمهم هذا السابق وغيره أو في إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم ما لم يشرع لهم. وما: مصدرية. وساء: متعدية، حذف مفعولها لدلالة المعنى تقديره ساءهم حكمهم، أي جلب لهم السوء وقد ذكروا في ما إعراباً غير ما ذكرناه نبهنا عليه في البحر. وقال ابن عطية: وما في موضع رفع، كأنه قال: ساء الذي يحكمون. ولا يتجه عندي أن تجري هنا ساء مجرى نِعْم وبئس لأن المفسر هنا مضمر، ولا بد من إظهاره باتفاق من النحاة وإنما اتجه أن تجري مجرى بئس في قوله:سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ } [الأعراف: 177]، لأن المفسر ظاهر في الكلام. " انتهى ". وهذا قول من شذا يسيراً من العربية ولم ترسخ قدمه فيها بل إذا جرت ساء مجرى نعم وبئس كان حكمُها حكمَهما سواء لا تختلف في شىء البتة من فاعل مضمراً. وظاهر ويتميز ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح والذم والتمييز فيهَا لدلالة الكلام عليه فقوله لأن المفسّر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق النحاة إلى آخره كلام ساقط ودعواه الاتفاق مع أن الاتفاق على خلاف ما ذكر عجب عجاب.

{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ } الإِشارة بذلك إلى المصدر المفهوم من قوله: وجعلوا لله تقديره. ومثل ذلك الجعل في التزيين زين لكثير من المشركين.

{ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ } بالوأد أو بنحرهم للآلهة وكان الرجل يحلف في الجاهلية لئن ولد لي كذا غلاماً لينحرن أحدهم كما حلف عبد المطلب.

السابقالتالي
2 3