الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } * { ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } * { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } * { قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } هذا النداء أيضاً يوم القيامة والاستفهام للتوبيخ والتقريع حيث أعذر الله إليهم بإِرسال الرسل فلم يقبلوا منهم. والظاهر أن من الجن رسلاً إليهم كما أن من الإِنس رسلاً إليهم بعث الله تعالى رسولاً واحداً من الجن إليهم. وقيل: رسل الجن هم رسل الإِنس، فهم رسل الله تعالى بواسطة إذ هم رسل رسله ويؤيده قوله تعالى:وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [الأحقاف: 29] قاله ابن عباس.

{ قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } الظاهر أن هذه حكاية لتصديقهم وإيجابهم قوله: ألم يأتكم، لأن الهمزة الداخلة على نفي إتيان الرسل للإِنكار فكان تقديراً لهم. والمعنى قالوا شهدنا على أنفسنا باتيان الرسل إلينا وإنذارهم إيانا هذا اليوم. وهذه الجملة نابت مناب بل هنا فقد صرح بها في قوله: قالوا بلى أقروا بأن حجة الله تعالى لازمة لهم وأنهم محجوجون بها.

{ وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } هذا إخبار عنهم من الله تعالى، وتنبيه على السبب الموجب لكفرهم، وإفصاح لهم بأذم الوجوه الذي هو الخداع. قال الزمخشري: فإِن قلت: لم كرر شاءتهم على أنفسهم؟ قلت: الأولى حكاية لقولهم: كيف يقولون ويعترفون، والثانية ذم لهم وتخطئة لرأيهم ووصف لقلة نظرهم وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا واللذات الحاضرة، وكان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام لربهم واستيجاب عذابه، وإنما قال: ذلك تحذيراً للسامعين مثل حالهم. " انتهى ". لم تتكرر الشهادة لاختلاف المخبر ومتعلقها فالأولى إخبارهم عن أنفسهم، والثانية إخباره تعالى عنهم. والأولى متعلقها الإِقرار بإِتيان الرسل إليهم قاصين ومنذرين، والثانية إخباره تعالى أنهم شهدوا على أنفسهم بالكفر فهذه الشهادة غير الأولى.

{ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } الآية، الإشارة بذلك إلى أقرب مذكور دل عليه الكلام، وهو إتيان الرسل قاصين الآيات ومنذرين بالحشر والحساب والجزاء بسبب انتفاء إهلاك القرى بظلم وأهلها لم ينبهوا ببعثة الرسل إليهم والإِعذار إليهم والتقدم بالاخبار بما يحل بهم إذا لم يتبعوا الرسل. وفي الحديث: " ليس أحد أحبَّ إليه العذر من الله تعالى، فمن أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل ".

{ وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي لكل من المكلفين مؤمنهم وكافرهم درجات متفاوتة من جزاء أعمالهم وتفاوتها بنسبة بعضهم إلى بعض وبنسبة عمل كل عامل فيكون هو في درجة فيترقى إلى أخرى كاملة ثم إلى أكمل. والظاهر إندراج الجن في العموم في الجزاء كما اندرجوا في التكليف وفي إرسال الرسل إليهم. قال ابن عباس: جزاء مؤمني الجن إجارتهم من النار. وقال أبو حنيفة: ليس للجن ثواب لأن الثواب فضل من الله تعالى فلا يقال به إلا ببيان من الله تعالى. ولم يذكر الله تعالى في حقهم إلا عاقبة عاصيهم لا ثواب طائعهم.

السابقالتالي
2