الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }

{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ } قال ابن عباس: نزلت في حمزة وأبي جهل رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث فأخبر بذلك حمزة حين رجع من قنصه وبيده قوس وكان لم يسلم فغضب فعلا بها أبا جهل وهو يتضرع إليه ويقول: سفّه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا فقال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله تعالى، وأسلم رضي الله تعالى عنه. ولما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين مثل تعالى فيهما بأنه شبّه المؤمن بعد أن كان كافراً بالحي المجعول له نور يتصرف به كيف سلك، والكافر بالمختبط في الظلمات المستقر فيها دائماً ليظهر الفرق بين الفريقين، والموت والحياة والنور والظلمة مجاز، فالظلمة مجاز عن الكفر، والحياة مجاز عن الإِيمان، والموت مجاز عن الكفر. والجملة من قوله: أو من، معطوفة على ما قبلها. والأصل تقديم واو العطف وإنما قدمت الهمزة لأن الاستفهام له صدر الكلام وكان الأصل وآمن ومن مبتدأ موصول بمعنى الذي وكان ميتاً صلته ولما ذكر صفة الإِحسان إلى العبد المؤمن نسب ذلك إليه فقال فأحييناه.

{ وَجَعَلْنَا لَهُ } وفي صفة الكافر لم ينسبها إلى نفسه، بل قال:

{ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ } وكمن في موضع خبر من المتقدمة الذكر، ومن في كمن: موصولة. ومثله في الظلمات من مبتدأ وخبر صلة لمن ومثله معناه صفته وعبر بها عن الذات كأنه قيل: كمن هو في الظلمات. وفي الناس: إشارة إلى تنويره على نفسه وعلى غيره من الناس فذكر أن منفعة المؤمن ليست مقتصرة على نفسه، وقابل تصرفه بالنور وملازمة النور له باستقرار الكافر في الظلمات، وكونه لا يفارقها، وأكد ذلك بدخول الباء في خبر ليس.

{ كَذَلِكَ زُيِّنَ } الإِشارة بذلك إلى إحياء المؤمن أي كما أحيينا المؤمن زين للكافرين فقابل الشىء بضده أو إشارة إلى كينونة الكافر في الظلمات زين للكافرين فقابل الشىء بمثله.

{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ } الآية أي مثل ذلك الجعل جعلنا في مكة صناديدها.

{ لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } جعلنا في كل قرية وتضمن ذلك فساد حال الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حالهم حال من تقدمهم من نظرائهم الكفار وجعلنا بمعنى صيرنا ومفعولها الأول أكابر مجرميها، وفي كل قرية المفعول الثاني، وأكابر على هذا مضاف إلى مجرميها. وأجاز أبو البقاء أن يكون مجرميها بدلاً من أكابر. وأجاز ابن عطية أن يكون مجرميها المفعول الأول، وأكابر المفعول الثاني والتقدير مجرميها أكابر وما أجازاه خطأ وذهول عن قاعدة نحوية وهو أن أفعل التفضيل إذا كان بمن ملفوظاً بها أو مقدراً أو مضافاً إلى نكرة كان مفرداً مذكراً دائماً سواء كان لمذكر أم لمؤنث مفرد أو مثنى أو مجموع فإِذا أنث أو ثنى أو جمع طابق ما هو له في ذلك ولزمه أحد أمرين: أما الألف واللام، أو الإِضافة إلى معرفة، وإذا تقرر هذا فالقول بأن مجرميها بدل من أكابر أو أن مجرميها مفعول أول خطأ لإِلتزامه أن يبقى أكابر مجموعاً وليس فيه ألف ولام ولا هو مضاف إلى معرفة، وذلك لا يجوز.

السابقالتالي
2 3