الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } قال مشركوا قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إجعل بيننا وبينك حكماً من أحبار اليهود وإن شئت من أساقفة النصارى ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك. فنزلت. والفاء في: أفغير، للعطف فترتيبها قبل الهمزة وقدمت الهمزة لأن الاستفهام له صدر الكلام كما قدمت على الواو في قوله:أَوَلَمْ يَرَوْاْ } [النحل: 48] وعلى ثم في قوله:أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } [يونس: 51]، وهذا استفهام معناه النفي، أي لا أبتغي حكماً غير الله. قالوا: والحكم أبلغ من الحاكم لأنه من عرف منه الحكم مرة بعد أخرى. والحاكم اسم فاعل يصدق على المرة الواحدة، وجوزوا في اعراب غير أن يكون مفعولاً بابتغي وحكماً حال وعكسه، وأجاز الحوفي وابن عطية أن ينتصب على التمييز عن غير كقولهم: ان لنا غيرها إبلاً وشاء.

{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ } وهذه الجملة في موضع الحال مفصلاً موضحاً فيه الأحكام من الأمر والنهي والحلال والحرام والواجب والمندوب والضلال والهدى.

{ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ } علم التوراة والإِنجيل والزبور والصحف. والمراد علماء أهل الكتاب. وهذه الجملة تكون استئنافاً ويتضمن الاستشهاد بمؤمني أهل الكتاب والطعن على مشركيهم وحسدتهم.

{ فَلاَ تَكُونَنَّ } خطاب للسامع الذي يمكن أن يجوز منه الامتراء لا للنبي صلى الله عليه وسلم.

و { كَلِمَتُ رَبِّكَ } هو القرآن وكل ما أخبر به من أمر ونهي ووعد ووعيد وانتصب صدقاً وعدلاً على أنهما مصدران في موضع الحال. ومعنى تمت: استمرت، لا أنه كان بها نقص فكملت كما قال: وتم حمزة على إسلامه، أي استمر.

{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } أي وإن توافق فيما هم عليه من عبادة غير الله تعالى وشرع ما شرعوه بغير إذن الله لأن الأكثر إذ ذاك كانوا كفاراً. والأرض هنا الدنيا، قاله ابن عباس.

{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ليسوا راجعين في عقائدهم إلى علم ولا في ما شرعوه إلى حكم الله تعالى.

{ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي يقدرون ويحزرون وهذا تأكيد لما قبله.

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ } لما ذكر تعالى يضلون عن سبيل الله أخبر أنه أعلم العالمين بالضال والمهتدي. والمعنى أنه أعلم بهم وبك فإِنهم الضالون وأنت المهتدي. ومن قيل: في موضع جر على إسقاط حرف الجر وإبقاء عمله وهذا ليس بجيد لأن مثل هذا لا يجوز إلا في الشعر. وقال أبو الفتح: في موضع نصب بأعلم بعد حذف حرف الجر، وهذا ليس بجيد لأن أفعل التفضيل لا يعمل النصب في المفعول به. وقال أبو علي: في موضع نصب بفعل محذوف، أي يعلم من يضل، ودل على حذفه أعلم ومثله ما أنشده أبو زيد: وأضرب منا بالسيوف القوانسا. أي يضرب القوانس وهي إذ ذاك موصولة وصلتها يضل.