الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية، قال ابن عباس: سببها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب: اما أن تنهى محمداً وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها، وإما أن نسب إلهه ونهجوه. فنزلت. وحكم هذه الآية باق في هذه الأمة فإِذا كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإِسلام أو الرسول أو الله تعالى فلا يحل لمسلم ذم دين الكافر ولا صنمه ولا صليبه ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك. ولما أمر تعالى باتباع ما أوحي إليه وبموادعة المشركين عدل عن خطابه إلى خطاب المؤمنين، فنهوا عن سب أصنام المشركين ولم يواجه هو عليه السلام بالخطاب وإن كان هو الذي سب الأصنام جاء على لسانه وأصحابه تابعون له في ذلك، لما في مواجهته وحده بالنهي من خلاف ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الكريمة، إذ لم يكن صلى الله عليه وسلم فحاشاً ولا ضحّاباً ولا سباباً، فلذلك جاء الخطاب للمؤمنين فقيل: ولا تسبوا. ولم يكن التركيب ولا تسب كما جاء. وفي: أعرض عن المشركين وإذا كانت الطاعة تؤدي إلى مفسدة خرجت عن أن تكون طاعة فيجب النهي عنها كما ينهي عن المعصية. والذين يدعون هم الأصنام، أي يدعوهم المشركون وعبر عن الأصنام وهي لا تعقل بالذين يعبر عن العاقل على معاملة ما لا يعقل معاملة من يعقل، إذ كانوا نزلوهم منزلة من يعقل في عبادتهم واعتقادهم فيهم أنهم شفعاء لهم عند الله تعالى. وقيل: يحتمل أن يراد بالذين يدعون الكفار. وظاهر قوله: فيسبوا الله، إنهم يقدمون على سبّه إذا سبّت آلهتهم، وإن كانوا معترفين بالله تعالى لكن يحملهم على ذلك انتصارهم لآلهتهم وشدة غيظهم لأجلها، فيَخرجون عن الاعتدال إلى ما ينافي العقل كما يقع من بعض المسلمين إذا اشتد غضبه وانحرف فإِنه قد يلفظ بما يؤدي إلى الكفر نعوذ بالله من ذلك.

{ فَيَسُبُّواْ } جواب للنهي في قوله ولا تسبوا. وانتصب بإِضمار أن بعد الفاء كقوله تعالى:لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } [طه: 61].

و { عَدْواً } مصدر عدا، وكذا عدو وعدوان بمعنى اعتدى أي ظلم، وانتصب على المصدر أو في موضع الحال المؤكدة أو على المصدر من غير لفظ الفعل لأن معنى فيسبوا يعتدوا على الله تعالى. ومعنى بغير علم أي على جهالة بما يجب لله تعالى أن يذكر به وهو بيان لمعنى الاعتداء.

{ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } مثل تزيين عبادة الأصنام للمشركين زينا لكل أمة عملهم. وظاهر لكل أمة العموم في الأمم وفي العمل فيدخل فيه المؤمنون والكافرون، وتزيينه هو ما يخلقه ويخترعه في النفوس من المحبة للخير أو الشر والاتباع لطرقه وتزيين الشيطان بما يقذفه في النفوس من الوسوسة وخطرات السوء.

السابقالتالي
2