الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ }

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } الآية، هذه السورة مكية كلها إلا آيات وقيل: إلا آيات نزلت بالمدينة، ومناسبة افتتاحها لآخر المائدة أنه تعالى لما ذكر ما قالته النصارى في عيسى وأمه من كونهما إلهين من دون الله وجرت تلك المحاورة وذكر ثواب الصادقين وأعقب ذلك بأن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وأنه قادر على كل شيء؛ ذكر بأن الحمد لله المستغرق جميع المحامد فلا يمكن أن يثبت معه شريك في الإِلهية فيحمد، ثم نبه على العلة المقتضية لجميع المحامد والمقتضية كون ملك السماوات والأرض وما فيهن له بوصف خلق السماوات والأرض، لأن الموجد للشيء المنفرد باختراعه له الاستيلاء والسلطنة عليه. ولما تقدم قولهم في عيسى وكفرهم بذلك وذكر الصادقين وجزاءهم أعقب خلق السماوات والأرض بجعل الظلمات والنور فكان ذلك مناسباً للكافر والصادق. وقال الزمخشري: يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشا، كقوله: { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ } ، وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله تعالى:وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } [الزخرف: 19]، والفرق بين الخلق والجعل أن الخلق فيه معنى التقدير، وفي الجعل معنى التصيير كإِنشاء شىء من شىء أو تصيير شىء شيئاً أو نقله من مكان إلى مكان، ومنه: جعل الظلمات والنور، لأن الظلمات من الاجرام المتكاتفة والنور من النار. " انتهى ". وما ذكره من أن جعل بمعنى صير في قوله: وجعلوا الملائكة، لا يصح لأنهم لم يصيروهم إناثاً وإنما قال بعض النحويين: إنها هنا بمعنى سمى. وتقدم الكلام في البقرة على جمع السماوات وإفراد الأرض وجمع الظلمات وإفراد النور وثم كما تقرر في اللسان العربي أصلها للمهلة في الزمان. قال ابن عطية: ثم دالة على قبح فعل الذين فروا لأن المعنى أن خلقه السماوات والأرض وغيرهما قد تقرر وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين ثم بعد هذا كله عدلوا بربهم، فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ثم تشتمني، أي بعد وضوح هذا كله ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو لم يلزم التوبيخ كلزومه بثم. " انتهى ". وقال الزمخشري: فإِن قلت: فما معنى ثم قلت استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته وكذلك ثم أنتم تمترون استبعاد لأن يمتروا فيه بعدما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم. انتهى. وهذا الذي ذهب إليه ابن عطية في أن ثم للتوبيخ والزمخشري من أن ثم للاستبعاد ليس بصحيح لأن ثم لم توضح لذلك وإنما التوبيخ والاستبعاد مفهوم من سياق الكلام لا من مدلول ثم، ولا أعلم أحداً من النحويين ذكر ذلك بل ثم هنا للمهلة في الزمان وهي عاطفة جملة إسمية على جملة إسمية أخبر تعالى بأن الحمد له، ونبه على العلة المقتضية للحمد من جميع الناس وهي خلق السماوات والأرض والظلمات والنور ثم أخبر أن الكافرين به يعدلون فلا يحمدونه.

السابقالتالي
2 3