الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } * { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

{ مَّا ٱلْمَسِيحُ } الآية لما رد على النصارى قولهم الأول بقول المسيحٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } [المائدة: 72، 117]، والثاني، بقوله:وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [المائدة: 73]، أثبت له الرسالة بصورة الحصر أي: ما المسيح ابن مريم شيء مما تدعيه النصارى من كونه إلهاً وكونه أحد آلهة ثلاثة بل هو رسول من جنس الرسل الذين خلوا وتقدموا جاء بآيات من عند الله. { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } هذا البناء من ابنيه المبالغة، والأظهر أنه من الثلاثي المجرد نحو: سكير من سكر. ويجوز أن يكون بناء من صدق لقوله تعالى:وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا } [التحريم: 12]. كما قيل في أبي بكر رضي الله عنه الصديق. { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } هذا تنبيه على سمة الحدوث وتبعيد عن اعتقاد ما اعتقدته النصارى فيهما من الألوهية لأن من احتاج إلى الطعام وما يتبعه من العوارض لم يكن إلا جسماً مركباً من عظم ولحم وعروق وأعصاب وأخلاط وغير ذلك مما يدل على أنه مصنوع مؤلف مدبر كغيره من الأجسام.

{ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ } أي الاعلام في الأدلة الظاهرة على بطلان ما اعتقدوه، وهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم وفي ضمن ذلك الأمر لأمته بالنظر في ضلال هؤلاء وبعدهم عن قبول ما نبهوا عليه. { ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } كرر الأمر بالنظر لاختلاف المتعلق لأن الأول أمر بالنظر في كونه تعالى أوضح لهم الآيات وبينهما بحيث لا يقع معها لبس، والأمر الثاني هو بالنظر في كونهم يصرفون عن استماع الحق وتأمله أو في كونهم يقلبون ما بين لهم إلى الشد منه وهذان أمرا تعجيب. ودخلت ثم لتراخي ما بين العجبين وكأنه يقتضي العجب من توضيح الآيات وتبيينها ثم ينظر في حال من بينت له فترى إعراضهم عن الآيات أعجب في توضيحها لأنه يلزم من تبيينها تبنُها لهم والرجوع إليهما فكونهم أفكوا عنها أعجب.

{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ } الآية لما كان إشراكهم بالله تضمن القول والاعتقاد جاء الختم بقوله: وهو السميع أي لأقوالكم العليم باعتقادكم وما انطوت عليه نياتكم. وفي الاخبار عنه تعالى بهاتين الصفتين تهديد ووعيد على ما يقولونه ويعتقدونه وتضمنت الآية الإِنكار عليهم حيث عبدوا من دونه من هو متصف بالعجز عن دفع أو جلب نفع. قيل ومن مرت عليه مُدَد لا يسمع فيها ولا يعلم لجدير أن لا يعبد كيف وقد تركوا عبادة القادر على الإِطلاق السميع للأصوات العليم بالنيات.

{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ } ظاهره نداء أهل الكتاب الحاضرين زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتناول من جاء بعدهم ولما سبق القول في أباطيل اليهود وثنى بأباطيل النصارى جمع الفريقان في النهر عن الغلو في الدين وانتصب غير الحق على معنى غلواً غير الحق وهو الغلو الباطل.

السابقالتالي
2 3