الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ } قال ابن عباس وابن مسعود نزلت في الجاحدين حكم الله وهي عامة في كل من جحد حكم الله، والذين أسلموا وصف مدح للأنبياء كالصفات التي تجري على الله وأريد بإِجرائها التعريض باليهود والنصارى حيث قالوا: إن الأنبياء كانوا يهود وقالت النصارى: كانوا نصارى. فبين أنهم كانوا مسلمين كما كان إبراهيم ولذلك جاء هو سماكم المسلمين من قبل وفيه بهذا الوصف أن اليهود والنصارى بعداد من هذا الوصف الذي هو الإِسلام وإن كان دين الأنبياء كلهم قديماً وحديثاً. وتقدم الكلام على الربانيين في آل عمران. والأحبار: هم العلماء، واحدهم: حبر، بفتح الحاء وكسرها. وقال أبو الهيثم: هو بفتح الحاء. وقال الفراء: هو بالكسر، فأما الذي يكتب به فبكسر الحاء.

{ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ } الباء في بما لكسب وتتعلق بقوله: يحكم، واستفعل هنا للطلب والمعنى بسبب ما استحفظوا، والضمير في استحفظوا عائد على النبيين والربانيين والأحبار أي بسبب ما طلب الله منهم حفظهم لكتاب الله وهو التوراة، وكلفهم حفظها وأخذ عهده عليهم في العمل بها والقول بها. واستحفظوا مبني للمفعول حذف الفاعل وهو الله والمعنى استحفظهم الله أي طلب حفظهم له.

{ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ } الظاهر أن الضمير عائد على كتاب الله، أي كانوا عليه رقباء لئلا يبدل. والمعنى محكم بأحكام التوراة النبيون بين موسى وعيسى وكان بينهما ألف نبي. للذين هادوا يحملونهم على أحكام التوراة لا يتركونهم أن يعدلوا عنها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حملهم على حكم الرجم وإرغام أنوفهم وآبائه عليهم ما اشتهوه من الجلد.

{ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ } الآية، الظاهر أن هذا الخطاب لليهود على سبيل الحكاية. والقول لعلماء بني إسرائيل يشمل من كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علماء اليهود. وفي الكلام التفات خرج من ضمير الغيبة وهو ضمير الرفع في يحكمونك إلى ضمير الخطاب في قوله: فلا تخشوا.

{ وَلاَ تَشْتَرُواْ } هذا نهي للحكام عن أخذ الرشا وتبديل أحكام الله تعالى.

{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ } الآية مناسبتها لما قبلها أنه تعالى بين في التوراة أن حكم الزاني المحصن الرجم. وغير التوراة اليهود أيضاً ففضلوا بني النضير على بني قريظة وحضوا إيجاد القود على بني قريظة دون بني النضير. ومعنى وكتبنا: فرضنا. وقيل: قلنا والكتابة بمعنى القول. ويجوز أن يراد الكتابة حقيقة وهي الكتابة في الألواح، لأن التوراة نزلت مكتوبة في الألواح. والضمير في " فيها " عائد على التوراة. وفي " عليهم " على الذين هادوا. وقوله: بالنفس جار ومجرور في موضع خبر أن فيتعلق بمحذوف، والأصل فيه أن يكون العامل لفظ كائن أو مستقر والباء في " بالنفس " للمقابلة فقدر ما هو قريب من الاستقرار وهو تقديرهم مأخوذة بالنفس والمعنى أنه إذا قتلت نفس نفساً قتلت بها والمعاطيف على هذا التقدير أي والعين مأخوذة بالعين أي من فقأ عيناً فقئت عينه، ومن جدع أنفاً جدع أنفه، ومن صلم أذناً صلمت أذنه، ومن كسر سناً كسرت سنه.

السابقالتالي
2