الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ }

{ يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } الآية روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: " كان تميم الداري وعدي يختلفان إلى مكة فخرج معهما فتى من بني سهم فتوفي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصاً بالذهب فاستحلفهما " وفي رواية " فحلفهما بعد العصر النبي صلى الله عليه وسلم ما كتمتما ولا اطلعتما ثم وجد الجام بمكة فقالوا: اشتريناه من عدي وتميم فجاء الرجلان من ورثة السهمي فحلفا أن هذا الجام للسهمي ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا قال: فأخذوا الجام " وفيهم نزلت هذه الآية، ومناسبتها لما قبلها هو أنه لما ذكر: يا أيها الذين آمنوا، كان في ذلك تنفير عن الضلال واستبعاد عن أن ينتفع بهم في شيء من أمور المؤمنين من شهادة أو غيرها، فأخبر تعالى بمشروعية شهادتهم أو الإِيصاء إليهم في السفر على ما سيأتي بيانه. وقرأ الجمهور شهادة بالرفع بينكم بالجر، وشهادة مبتدأ، واثنان خبره على أحد تقديرين، أحدهما: أن يكون التقدير ذو شهادة بينكم اثنان. والتقدير الثاني: أن لا يحذف من الأول ويحذف من الثاني فتقدر الشهادة اثنين فيطابق المبتدأ الخبر في التقديرين إذ لو حمل على غير حذف لم يصح لأن الشهادة ليست تفسير الاثنين. وقرأ السلمي شهادة بالنصب والتنوين وقدره الزمخشري ليقم شهادة اثنان فجعل شهادة مفعولاً بإِضمار هذا الأمر، واثنان مرتفع بليقم على الفاعلية وهذا الذي قدره الزمخشري هو تقدير ابن جني بعينه، قال ابن جني: التقدير ليقم شهادة بينكم اثنان. " انتهى ". وهذا الذي ذكره ابن جني مخالف لما قاله أصحابنا قالوا: لا يجوز حذف الفعل وإبقاء فاعله إلا أن أشعر بالفعل ما قبله كقوله تعالى:يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ } [النور: 36-37]، على قراءة من فتح الباء فقرأه مبنياً للمفعول وذكروا في اقتياس هذه خلافاً أي يسبحه رجال فدل يسبح على يسبحه أو أجيب به نفي كان يقال لك ما قام أحد عندك، فتقول: بلى زيد أي قام زيد، أو أجيب به استفهام كقول الشاعر:
ألا هل أتى أم الحويرث مرسل   بلى خالد إن لم تعقه العوائق
التقدير أتى خالد أو يأتيها خالد، وليس حذف الفعل الذي قدره ابن جني وتبعه الزمخشري واحداً من هذه الأقسام الثلاثة، والذي عندي أن هذه القراءة الشاذة تتخرج على وجهين، أحدهما: أن يكون شهادة منصوباً على المصدر الذي ناب مناب الفعل بمعنى الأمر، واثنان مرتفع به، والتقدير ليشهد بينكم اثنان. والوجه الثاني: أن يكون أيضاً مصدراً ليس بمعنى الأمر بل يكون خبر أناب مناب الفعل في الخبر وإن كان ذلك قليلاً كقولهم: افعل وكرامة ومسرة، أي أكرمك وأسرك، أي يشهد اثنان.

السابقالتالي
2 3