الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ } الآية مناسبتها لما قبلها ظاهرة، وذلك أنه تعالى ذكر تعظيم الإِحرام بالنهي عن قتل الوحش فيه بحيث شرع بقتله ما شرع. وذكر تعظيم الكعبة بقوله:هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة: 95]، فذكر تعالى في هذه الآية أنه جعل الكعبة قياماً للناس أي ركز في قلوبهم تعظيمها؛ وجعل هنا بمعنى صيّر، وقيل: بمعنى بين وحكم. وينبغي أن يحمل هذا على تفسير المعنى إذ لم ينقل جعل مرادفة لهذا المعنى لكنه من حيث التصيير يلزم منه التبيين والحكم، ولما كان لفظ الكعبة قد أطلقه بعض العرب على غير البيت الحرام كالبيت الذي كان في خثعم يسمى كعبة اليمانية، بين تعالى أن المراد هنا بالكعبة البيت الحرام، وهو بدل من الكعبة أو عطف بيان. وقال الزمخشري: البيت الحرام عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح، كما تجيء الصفة كذلك. " انتهى ". وليس كما ذكر لأنهم ذكروا في شرط عطف البيان الجمود وإذا كان شرطه أن يكون جامداً لم يكن فيه إشعار بمدح إذ ليس مشتقاً وإنما يشعر بالمدح المشتق. إلا أن يقال: إنه لما وصف عطف البيان بقوله: الحرام، اقتضى المجموع المدح فيمكن ذلك. والقيام مصدر، يقال: قيام الأمر، وقوام الأمر، وكونه قياماً للناس باتساع الرزق عليهم وبامتناع الإِغارة في الحرم وبسبب صيرورتهم أهل الله فكل أحد يتقرب إليهم وبما يقام فيها من المناسك وفضل العبادات وبأمْن من توجه إليها أذى من جرّ جريرة ولجأ إليها وببقاء الدين ما حجّت واستقبلت.

{ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } ، الحرامُ ظاهره الافراد وهو ذو الحجة لإِقامة موسم الحج فيه. وقيل: المراد به الجنس فيشمل الأشهر الحرم الأربعة الثلاثة بإِجماع من العرب وشهر مضر وهو رجب كان كثير من العرب لا يراه ولذلك يسمى شهر الله، إذ كان تعالى قد ألحقه في الحرمة بالثلاثة فنسبه وشدده وكانوا لا يهجون أحداً في الشهر الحرام ولا من ساق الهدى لأن يعلم أنه لم يجيء لحرب ولا من خرج يريد البيت لحج أو عمرة فتقلد من لحاء السمر ولا من قضى نسكه فتقلد من شجر الحرم.

{ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ } الظاهر أن الإِشارة هي للمصدر المفهوم، أي ذلك الجعل لهذه الأشياء قياماً للناس وأمناً لهم لتعلموا أنه تعالى يعلم تفاصيل الأمور الكائنة في السماوات والأرض ومصالحكم في دنياكم ودينكم. وقيل: الإِشارة إلى صرف قلوب الناس إلى مكة في الأشهر المعلومة فتعيش أهلها معهم ولولا ذلك لماتوا جوعاً لعلمه بما في ذلك من مصالحهم وليستدلوا على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.

{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ } الآية هذا تهديد إذ أخبر أن عقابه شديد لمن انتهك حرمته.

السابقالتالي
2