الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ } الآية، لما ذكر صفة الملحقين في المتاركة المجدين في إلقاء السلم فيه على طائفة أخرى مخادعة يريدون الإِقامة في مواضعهم مع أهليهم يقولون: لهم نحن معكم وعلى دينكم، ويقولون للمسلمين كذلك إذا وفدوا. قيل: كانت أسد وغطفان بهذه الصفة فنزلت فيهم، قاله مقاتل.

{ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } أي ظفرتهم بهم لقوله تعالى:إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً } [الممتحنة: 2] وما دلت عليه هذه الآية من موادعة الكفار وترك قتلهم منسوخ بآية السيف التي في براءة.

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } الآية، كان عياش ابن أبي ربيعة قد أسلم وهاجر فتحيل أبو جهل وكان عياش أخاه لامه والحارث بن زيد بن انيسة حتى أخرجاه من المدينة فجلده كل واحدة منهما مائة جلدة وأتيا به إلى أمه لمكة فحلف عياش أنه إن ظفر بالحارث ليقتلنّه فأسلم الحارث ولقيه عياش بظهر قبا فقتله ولم يشعرْ بإِسلامه فنزلت.

و { إِلاَّ خَطَئاً } استثناء ظاهره الانقطاع لأن قتل المؤمن على قسمين العمد: وهو لا يجوز البتة ومتوعد عليه بالخلود في النار. والخطأ: وهو متجاوز عنه في الآخرة لكن يجب على القاتل ما ذكره الله تعالى في هذه الآية من الأحكام قيل: وانتصب خطأ على أنه مفعول من أجله أو نصباً على الحال أو نعتاً لمصدر محذوف تقديره إلا قتلاً خطأ.

{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } التحرير الاعتاق والعتيق الكريم لأن الكرم في الاحرار كما أن الكرم في العبيد ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير لكرامها وحُرّ الوجه أكرم موضع منه. والرقبة: عبر بها عن النسمة كما عبر بالرأس في قولهم: فلان يملك كذا رأساً من الرقيق. والظاهر أن كل رقبة اتصفت بأن يحكم لها بالإِيمان منتظم تحت قوله: رقبة مؤمنة، انتظام عموم البدل فيندرج فيها من ولد بين مسلمين ومن أحد أبويه مسلم صغيراً كان أو كبيراً، ومن سباه مسلم من دار الحرب قبل البلوغ. وإطلاق الرقبة المؤمنة لا يدع إلا على من تسمت مؤمنة من غير اعتبار بشرط آخر. والظاهر أن وجوب التحرير والدية على القاتل لأنه مستقراً في الكتاب والسنة من فعل شيئاً يلزم فيه أمر من الغرامات بمثل الكفارات إنما يجب ذلك على فاعله.

قوله: { وَدِيَةٌ } أصله مصدر تقول: وداه يديه ديّة وذلك عبارة عما يغرم في قتل الخطأ ولم يأت في كتاب الله مقدار الدية ولا من أي شيء تكون وللفقهاء من ذلك اختلاف كثير وينبغي أن نرجع في تفسير الدية إلى ما تثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى مسلمة إلى أهله أي موادة مدفوعة إلى أهل المقتول، أو إلى أوليائه الذي يرثونه يقتسمونها كالميراث لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء يقضي منها الدين، وتنفذ الوصية، وإذا لم يكن له وارث فهي لبيت المال.

السابقالتالي
2 3