الرئيسية - التفاسير


* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }

{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } رجع في الاخبار إلى حال المنافقين الذين قالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال، والخطاب في لكم هو للمؤمنين، قال ناس منهم: نقتل المنافقين، وقال ناس: لا نقتلهم لأنهم نطقوا بكلمة الاسلام فعتبهم الله على كونهم انقسموا فيهم فرقتين وانتصب فئتين على الحال وما: استفهام إنكار وهو مبتدأ، ولكم: خبره.

{ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } قال ابن عباس: ردهم في كفرهم، ولذلك قال تعالى: { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } قال الزمخشري: فتكونون سواء ولو نصب على جواب التمني لجاز. والمعنى ودوا كفركم وكونكم معهم شرعاً واحداً فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء. " انتهى ". كون التمني بلفظ الفعل ويكون له جواب فيه نظر وإنما المنقول أن الفعل ينتصب في جواب التمني إذا كان بالحرف نحو ليت ولو وإلا إذا أشربتا بمعنى التمني أما إذا كان بالفعل فيحتاج إلى سماع من العرب بل لو جاء لم يتحقق فيه الجوابية لأن ودّ التي تدل على التمني إنما متعلقها المصادر لا الذوات، فإِذا نصب الفعل بعد الفاء لم يتعين أن تكون فاء الجواب لاحتمال أن يكون من باب عطف المصدر المقدر على المصدر الملفوظ به فيكون من باب للبس عباءة وتقر عيني.

{ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } لما نص على كفرهم وانهم تمنوا أن يكونوا مثلهم بانت عداوتهم لاختلاف الدينين فنهى تعالى أن يوالي أحد منهم وإن آمنوا حتى يظاهروا بالهجرة الصحيحة لأجل الإِيمان لا لأجل حفظ الدنيا وإنما غيا بالهجرة فقط لأنها تتضمن الإِيمان وفي هذه الآية دليل على وجوب الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يزل حكمها كذلك إلى أن فتحت مكة فنسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا ".

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } هذا استثناء من قوله: فخذوهم واقتلوهم والوصول هنا البلوغ. قال ابن عطية: كان هذا الحكم في أول الاسلام قبل أن يستحكم أمر الطاعة من الناس فكان عليه السلام قد هادن من العرب قبائل كرهط هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك بن جعشم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف فقضت هذه الآية أنه من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل العهد ودخل في عدادهم وفعل فعلهم من الموادعة فلا سبيل عليه. قال عكرمة: لما تقوى الاسلام وكثر ناصره نسخت هذه الآية والتي بعدها بما في سورة براءة. " انتهى ".

{ أَوْ جَآءُوكُمْ } خطاب للمؤمنين وهو معطوف على صلة الذين فاستثنى تعالى من الذين يقتلون صنفين: أحدهما من يصل إلى قوم بين المؤمنين وبينهم ميثاق، والصنف الثاني من جاء المؤمنين من الكفار وقد امتنع من قتال المؤمنين ومن قتال قومهم.

السابقالتالي
2